وطالب العديد من المثقفين ورجال السياسة الذين حضروا فعاليات الأيام التكريمية للراحل كريم بلقاسم، أول أمس، بتيزي وزو، عشيّة الاحتفال بذكرى ال 19 مارس، بضرورة تسليط الضوء أكثر على قضية اغتيال هذا الرمز، وإجراء تحقيقات وتحريات جديّة مع الاعتماد على شهادات حية قد توصل بالمحققين إلى نفض الغبار عن خلفيات اغتيال بلقاسم، الذي يدخل في كرونولوجيا الاغتيالات التي طالت رموزا ثورية أثناء الثورة وبعد الاستقلال على غرار ما تعرض إليه القائد الثوري محمد خميستي، بعد عملية اغتيال بالرصاص، يوم 11 أبريل 1962 وإلصاق التهمة برجل مختل انتحر لاحقاً في زنزانته. وفي حين يستبعد بعض المؤرخين الاعتبارات السياسية عن حالة خميستي، فإنهم مُجمِعون على أن دوافع اغتيال محمد خيضر، في مدريد 1967 وكريم بلقاسم في فرانكفورت 1970 - اللذين كانا ضمن "مجموعة التسعة" المفجرة للثورة - كانت سياسية. حيث تشير مصادر تاريخيّة أنه بعد الاستقلال، اختلف كريم بلقاسم مع الرئيس أحمد بن بلّه، وقرر الابتعاد عن السياسة والاهتمام بتجارة المجوهرات. لكن بعد توّلي هواري بومدين للسلطة في 19 جوان 1965، هاجر كريم بلقاسم وحاول المعارضة من الخارج ونقل عنه قوله علنا أن "سبع سنوات من الاستقلال كانت أسوأ من سبع سنوات من الحرب". وهي الجملة التي - تشير مصادر تاريخية - كانت سبب "الحكم عليه بالموت غيابياً" بعد إدانته بالخيانة والتعاون مع قوى أجنبية. خصوصاً عندما جرى ربط قضيته بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي دبرها رئيس أركان الجيش الطاهر الزبيري أواخر 1967. فيما تشير تأويلات تاريخية أخرى إلى أن مقتل بلقاسم، كان لأسباب شخصية، تعود تداعياتها إلى السنوات الأخيرة من الثورة. وفي هذا الصدد، ذكر الرئيس السابق الشاذلي بن شديد، في تصريحاته الأخيرة - في إشارة ضمنيّة إلى أن بلقاسم دخل في صراعات حقيقية مع قادة ثوريين آخرين - أنه وفي عام 1958، "اتخذ كريم بلقاسم قرارا متسرعا يقضي بإنشاء لجنة العمليات العسكرية في الحدود الشرقية والغربية كان الهدف المعلن هو تكليف هذه الهيئة بقيادة العمل المسلح في الداخل، لكنها كانت، في الحقيقة، بداية لتفكيك القاعدة الشرقية وتصفية مسؤوليها".. ويضيف الشاذلي" برزت الخلافات بين الباءات الثلاثة (بلقاسم كريم، بن طوبال لخضر، وبوصوف عبد الحفيظ) حتى في تشكيل "الكوم"... وأصبح واضحا أن مبدأ القيادة الجماعية، الذي استندت إليه الثورة منذ اندلاعها، أصبح يتلون بحقائق الميدان ولعبة التوازنات". كما يضيف الشاذلي في سياق شهادته عن فترة تغيّر التوازنات فيقول:".. كانت دفعة ''لاكوست'' هي التتويج لسياسة اختراق جيش التحرير الوطنى. فبعد فرار مجموعة من الضباط الجزائريين ألحقهم كريم بلقاسم بوزارته، وكلفوا بتطبيق مخطط الرائد إيدير، الذي لم يأخذ حقائق الميدان بعين الاعتبار، ونصب هؤلاء الضباط على رأس فيالق، لكن المجاهدين رفضوهم وطردوا بعضهم. وأدى إصرار القيادة الثلاثية على سياسة فرض هؤلاء الضباط إلى وقوع عدة محاولات تمرّد..".. من جهته، أكّد الرئيس السابق أحمد بن بلّة، في إجابته عن سؤال مقدّم برنامح شاهد على العصر بقناة الجزيرة، يخص قضية اغتيالات الرموز الثوريّة أثناء وبعد الاستقلال، أن "ذلك حصل بالفعل.. دخلت النعرات إلى الثورة.. وبكل صراحة.. هذه النعرات مازالت موجودة فيما يتعلّق بمسألة الهوية.. مسألة الثقافة، ومسألة الجذور، وهذه الأشياء ابتدأت من وقت الثورة".. كما لم ينف بن بلّة، في سياق آخر، فرضيّة تورّط كريم بلقاسم نفسه في اغتيال "عبان رمضان" بمراكش المغربيّة في 7 ديسمبر 1957... شهادة بن بلّة أوالشادلي أو غيرهما من الشهود على العصر، لا تزال شحيحة، وتحتاج إلى سندات تأريخية أخرى من الذين عايشوا المرحلة، من أجل الكتابة الجّادة لتاريخ الجزائر الحديث..