بداية العملية كانت بلقائنا داخل مقر الأمن الولائي في الساعة الخامسة رفقة رجال الشرطة بمختلف الرتب، المشاركين في العملية، وفي مقدمتهم رئيس الأمن الولائي، العميد الأول بن الشيخ حسين والعميد زغادنية محمد الصالحة، رئيس مصلحة الشرطة القضائية، اللذان أشرفا على توجيه العناصر والربط بين الفرق العملياتية بمختلف تخصصاتها، حيث تم إعلامنا بالقطاعات المراد مسحها خلال العملية دون التطرق إلى نوعية المهام الموكلة، أو النقاط والبؤر الإجرامية المعنية بالتدخل، حفاظا على سرية العملية، لكن في المقابل، أحطنا بالخطوط العريضة لكيفية المداهمة من طرف المكلفين بالإعلام، ثم منحت لنا دقائق فقط لاختيار القطاع والفرقة التي نفضل مرافقتها• ولاكتشاف المزيد من الخبايا بالمناطق المعزولة ونوعية الجرائم الممارسة فيها، اخترنا إحدى المناطق الجبلية الساخنة، التي بها غابات وأحراش معزولة، انطلاقا من حي ''الريم''، وصولا إلى وادي الفرشة، ومن ثم انتقلنا لمتابعة تنفيذ المخطط الأمني المسطر رفقة الضابط إبراهيم، أو كما يحلو لزملائه تسميته بالحاج، التابع للأمن الحضري ال11 بالصفصاف، والذي كان مشرفا على فريقنا المرافق له، فكانت أولى توجيهاته التجمع أمام مقر الأمن الحضري الحادي عشر لجمع القوات، ثم الانتقال إلى مقر الأمن الحضري الثاني على متن سيارتهم• وأثناء طريقنا إلى الغابة المجاورة لحي ''الريم''، أخذنا نتجاذب أطراف الحديث مع رئيس المجموعة وآخرين من العاملين بفرقة مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة القضائية لبرحال، عن تدخلاتهم في إطار مهامهم خلال العشرية السوداء بولايتي الجزائر وبجاية، وعن عملنا، حتى وصلنا إلى النقطة المطلوبة، فالتقينا في بادئ الأمر بحراس الغابات القائمين على المكان، حيث فتحوا لنا الممرات، وبدأت المغامرة لاستكشاف المجهول باقتحام الغابات والأحراش، وبين الصمت والهدوء التامين، والحرص على الالتزام بالفطنة واليقظة، كان التسلل بين المرتفعات والمنحدرات بحثا عن أي دليل عن الجريمة أو ممارسيها• أول ما صادفناه في طريقنا، مجموعة من الشباب كانوا بصدد تناول المخدرات وشرب الخمر، من بينهم طالب جامعي، تم اقتيادهم من قبل عناصر الأمن إلى المقر الأقرب للتعريف وإثبات الهوية، ومباشرة الإجراءات المتعلقة بجريمة تناول المخدرات• وكانت الوجهة الثانية نحو إحدى المناطق الأكثر سخونة بولاية عنابة، وهي منطقة ''بوقنطاس'' المؤدية إلى جبال الإيدوغ، التي عرفت امتداد النشاط الإرهابي بها خلال العشرية السوداء، وحتى في السنوات الأخيرة، حيث استغلت لتمرير المؤونة إلى بقايا الجماعات الإرهابية من طرف شبكات الدعم والإسناد• جبال بوقنطاس•• قلاع المجهول ومنطقة الجاهزية الحيطة والحذر والجاهزية التامة، هي المعلومات التي أكد عليها رئيس الفرقة، فؤاد، بحكم أنها تدخل في عمليات بالمنطقة خلال السنوات الماضية، في إطار البحث والقضاء على الإرهابيين• أخذنا نتسلل تدريجيا بين الجداول والأحراش والأشجار وحتى بين المساكن، الأمر الذي جعلنا نتبين جانبا من الحياة البدائية لبعض العائلات التي تملك أراض متاخمة لغابة بوقنطاس، حيث راح عناصر الأمن يتبادلون الحديث مع سكان الجبال لطمأنتهم وسؤالهم عن أي تحرك غريب أو مشبوه• واصلنا الدخول إلى المعاقل السابقة للجماعات الإرهابية في سنوات العشرية الدامية، إلا أننا، ولسوء الحظ، لم نتمكن من التوغل إلى أعالي بوقنطاس، حيث أن الفرقة كانت محدودة العدد ولم تبرمج التوغل أكثر في المنطقة الجدلية المعزولة، لنعود أدراجنا نحو السيارات التي أوقفت على حافة الطريق، على مسافة حوالي 2 كلم• في هذه الأثناء قال لنا عناصر الشرطة إن أكبر الحواجز في محاربة الجريمة هي غياب الوعي والحس عند بعض المواطنين ونظرتهم السلبية لعناصر الأمن، مما يجعلهم لا يبلغون عن الجريمة• بالمقابل، كانت هناك فرق أخرى تضمن التغطية الأمنية بكامل المناطق والبؤر الإجرامية، على غرار المناطق المعزولة بالبوني، سيدي سالم، وخرازة• ومن جهة أخرى، تكفلت عناصر الدرك بتغطية حدود الولاية وسد المخارج ومراقبتها• ''البورتابل'' خائن وسبب هروب المجرمين حي ''الفخارين'' كان وجهتنا التالية، حيث ركنت السيارات بعيدا، وأخذنا نتغلغل داخل الحي سيرا على الأقدام، وخاصة الزوايا المعزولة منه، وبين الأحراش المحاذية، وبقينا على هذه الحال إلى أن وصلنا، بعد مسير 3 كلم أو أكثر، إلى حي وادي الفرشة، لنلتحق بمقر الأمن الثالث عشر، وفي جعبتنا موقوف لتلبسه بتعاطي المخدرات وحيازته أفلاما خليعة على هاتفه النقال• لكن ما شد انتباهنا هو تحسر رجال الشرطة ووصفهم ''البورتابل'' ب''الخاين''، حيث تقربنا منهم وسألناهم عن سبب هذا الوصف، ليكشفوا لنا أنه كانت هناك أهداف مسطرة خلال العملية تم ترقبها منذ أسبوع، إلا أن المعتادين على الجريمة بالأماكن المتوجه إليها فروا، مؤكدين أن الهاتف النقال هو الوسيلة الأسرع للتواصل بين المجرمين وإحباط محاولات القضاء على الجريمة• وبعد أخذ قسط من الراحة بمركز أمن وادي الفرشة، أعلن العميد زغادنية، رئيس مصلحة الشرطة القضائية، عن انتهاء العملية، طالبا من العناصر العودة إلى مقر الأمن الولائي، وتم فعلا ذلك، لتسفر حصيلة هذه العملية عن تفتيش 133 شخص و9 سيارات مشتبه فيها، وتوقيف 4 أشخاص متلبسين بتناول المخدرات، منهم قاصر•