هي الأسطورة التي لا تزال يتداولها بعض سكان جيجل القدامى وخاصة منهم الصيادين، وهو ما يجعل المنارة الكبيرة تستقطب سنويا الآلاف من زوار الكورنيش من ولايات الوطن والأجانب بعدما زارها رؤساء دول، ملوك وسفراء معتمدين بالجزائر• قبل أن نقوم بزيارة للمنارة الكبيرة، حاولنا جمع أكبر قدر من المعلومات حول تاريخها من مديرية الثقافة، السياحة وحتى الولاية، إلا أنها كانت شحيحة، قبل أن يدلنا أحد الصيادين على ابن الحارس الذي أفنى حياته في خدمة المنارة منذ 1973 فخلفه ابنه بعد وفاته سنة .1998 انتقلت مع مرافقي ''مراد'' إلى المنارة الكبيرة، نهاية الأسبوع الماضي، التي تبعد بحوالي 07 كلم غرب عاصمة ولاية جيجل وقامت السلطات المحلية بإنجاز طريق معبد إلى غاية مدخل البناية انطلاقا من الطريق الوطني المزدوج رقم 43 الذي سهل كثيرا حركة المرور• وعند وصولنا في حدود الساعة الخامسة مساء وجدنا عشرات العائلات تتجول داخل البناية بطابقيها؛ أبدى السيد محمد من برج بوعريريج إعجابه بأسطورة هذه المنارة وموقعها الاستراتيجي والهام الذي سبح في عرض البحر لأكثر من 500 متر• كما أشارت عائلة من المسيلة بأنها تجد متعة كبيرة عندما تصعد إلى سطح المنارة لاستنشاق الهواء النقي والتقاط صور عائلية تبقى خالدة في التاريخ• السيدة ''منى'' من قسنطينة قالت إنها تزور المنارة للمرة السابعة على التوالي• بعدها بدقائق التقينا فوزي عبيد، حارس المنارة ليسترسل معنا في حكاية المنارة الكبيرة مع الزمان والمكان ونحن نتفقد مختلف أجنحتها وطوابقها• مشيد المنارة تحول إلى مزارع بقاوس منارة رأس العافية أو المنارة الكبيرة كما هو متعارف عليه اليوم لدى الجميع تعتبر من أهم المعالم السياحية بجيجل رغم كونها بناية وهيكل تابع في التسيير إلى الديوان الوطني للإشارات البحرية، ومهمتها هو توجيه البواخر وإعطاء الإشارات للملاحة البحرية، إلا أن أسطورة حولتها إلى مكان للزوار من مختلف الشرائح والجنسيات والمستويات• وتعتبر المنارة من بين ال 24 منارة الموجودة في سواحل الجزائر تم إنجازها سنة 1867 على قمة ''غريفات'' شيدها النحّات الفرنسي ''شارل سالفا'' وكان يعمل مقاولا ونحاتا للحجارة واستعان بالحجر الأزرق المتواجد بمنطقة العوانة لبنائها، وكلفه هذا الإنجاز أموال طائلة مما جعله يحجم عن مواصلة احتراف هذه المهنة ليتحول إلى الفلاحة، حيث عمل مزراعا بمنطقة قاوس، بعد إعلان إفلاسه كمقاول ونحّات• عند صعودنا إلى صومعة المنارة وجدنا هذا المعلم عبارة عن مجسمات في شكل مثلث مصنوعة من النحاس وبداخلها مصباح كهربائي بطاقة 1000 واط تعطي إشارة ضوئية 05 ثوان بإمكان البواخر رصدها على بعد 45 كلم في عرض البحر• يبلغ علو أو ارتفاعه بالنسبة لسطح الأرض 16 متر و43 متر عن سطح البحر، وهي المنارة الوحيدة التي ترسل إشارات ضوئية باللون الأحمر في السواحل الجزائرية• وحسب رياض أحد الشباب الذين يحاولون البحث في أسرار هذه المنارة، فإن سبب إقدام المستعمر الفرنسي على إنجاز هذه المنارة يعود إلى الآثار الرومانية التي وجدت في ذلك المكان، حيث تفيد بعض الروايات بأن الرومان كانوا يقومون بإضرام النيران مساء كل يوم بهدف توجيه البواخر وإنارتها لتفادي الإصطدام بالصخور الخطيرة المتواجدة في عرض البحر وهي صخرتي ''المدفأة'' و''مقعد القبائل''• مقعد القبائل •• أو مكان غرق حجاج بجاية أكد أغلب من تحدثنا إليهم من صيادين وعاملين بالمنارة وباحثين بأن أسطورة ''مقعد القبائل'' تفيد بأن سفينة كانت تحمل مئات المواطنين القادمين من مدينة بجاية متجهين إلى مدينة عنابة ومنها إلى مكة لأداء فريضة الحج وبينما كانت السفينة تعبر المنطقة، اصطدمت بصخرة حادة يسميها الصيادون اليوم ''السكة'' موجودة اليوم في عرض البحر أي شمال المنارة وعلى بعد حوالي 02 كلم وترتفع على مستوى سطح البحر بحوالي 04 أمتار• وعندما غرقت سفينة الحجاج أصبح المكان يسمى ''مقعد القبائل''• وتشير بعض الروايات بأنه يمكن لزائر المنارة الكبيرة عندما يصعد للسطح أن يشاهد الحجاج بلباسهم الأبيض جالسين مع بعضهم على الصخرة التي تسبب في انشطار السفينة وغرقها• وهناك وعن هذه الأسطورة أشار ''فوزي'' بأنه يوجد حقيقة شاطئ صخري خطير يعد مقبرة للبواخر شهادناه عند صعودنا إلى قمة المنارة تكسر موجه كبيرة بالصخرة المذكورة مما يعطي لونا أبيضا وتخيلات عديدة حسب ثقافة ورؤية الزائر• ويضيف محدثنا بأن الذي يبحر بواسطة الزروق إلى غاية الصخرة المذكورة سيلاحظ هناك تمثالين حجريين لامرأتين على الصخرة ويطلق عليها الصيادون والقدامى اسم ''حجرة لالة عيشة ومريم'' فيما يبقى البحث في طبيعة تلك التماثيل وكيفية تكونها متواصلا• المنارة قبلة رؤساء وسفراء دول أجنبية المنارة الكبيرة ألهمت الكثيرين وحظيت بزيارات عدة ملوك وأمراء أوروبا في الخمسينيات والستينيات كما أنها حظيت في هذا العصر بزيارات العاملين في السلك الدبلوماسي المعتمدين في الجزائر دون الحديث عن وزراء الحكومات الجزائرية المتعاقبة والفنانين والمشاهير في شتى الميادين، إلا أن المعلومات المضبوطة بأسماء الزوار غير موجودة، لأن المنارة لا تتوفر على إدارة تسجيل عدد الزوار وأسمائهم، ما عدا سجل لإمضاءات الزوار يعود تاريخه إلى سنة .1950 وفي هذا الشأن يقول محدثنا بأن أول شخص زار المنارة هو الفرنسي ''فالوالويس وزوجته في 14 جانفي 1950 كما زارت المنارة حفيدة النحات ''سالفا'' والمسماة ''سوزان قرانجر'' وقد ألفت كتابين حول حياة عائلتها بجيجل، كما قامت ابنته ''ديروزا'' بزيارة المنارة في الخمسيينات وهناك بعض أفراد عائلة ''سالفا'' الكبيرة تحلم بالعودة إلى ''المنارة'' لتتذكر اللحظات الجميلة وحكاياتهم مع الحجر الأزرق والبحر•