إن الذين يتردّدون على المدن والعواصم الغربية يعرفون أكثر من غيرهم كيف تزيّن تلك الأماكن خصوصا شوارعها التجارية لاستقبال هذه المناسبة التي أصبحت أشك كثيرا في أن الأجيال الجديدة تعرف أن لها علاقة بالدين أو بميلاد السيد المسيح• صحيح أن تقاليد السهر والسمر معروفة في رمضان منذ القدم، لكن التقدم في فنون الاتصال والعبث استثمر تلك السهرات البريئة ونقلها إلى عالم ''البيزنس''، فكانت المسلسلات والمسابقات الترفيهية، وكانت الخيام التي أصبحت مجالا لاستعراض مختلف فنون العبث، وأضيفت إلى هذه الطقوس ''موائد الرحمن'' التي انتشرت في مصر خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت مجالا للمنافسة بين ذوي اليسار من الناس، حتى أزعم أن رمضان أصبح مختزَلا في هذه الطقوس التي جرفت الشهر في اتجاه بعيد تماما عن حقيقة المراد منه، عند الحد الأدنى فإنه لم يعد شهرا للعبادة والتقوى وغسيل الروح، والاستزادة من فيض الإيمان والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى• ومن يطالع الصحف الصادرة هذه الأيام، الحافلة بأخبار المسلسلات والبرامج التي ستعرض خلال هذا الشهر، لن يخطر بباله سوى أننا مقبلون على شهر للهو والمرح، ولا شيء غير ذلك• وإذ أفهم أن تتسابق القنوات الخاصة في ذلك، باعتبار أن أكثر ما يعنيها هو تحقيق الربح وزيادة أعداد مشاهديها، إلا أنني لم أفهم أن تدخل قنوات التلفزيون الرسمي الخاضع للدولة في السباق، بحيث تكرّس مفهوم اللّهو في الشهر الفضيل، الأمر الذي يعني أنه حتى السياسة الإعلامية للدولة، إما أنها غير مكترثة بالدور العبادي لرمضان، أو أنها غير مدركة له• حين أقرأ في القرآن الكريم قول الله تعالى: ''يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ''، أتساءل : هل هذه الأجواء التي تحيط بنا تساعد على التقوى أم أنها تصرف الناس عنها وهو سؤال ليس للاستفهام بطبيعة الحال، لأن إجابته يعرفها الجميع، إذ لا يخفى على أحد أن الانسياق وراء اللّهو والسهر في رمضان، يؤدي إلى تآكل مفهوم العبادة في وظيفته، ولا تستغرب إذا ما استمر ابتذال الشهر على ذلك النحو أن ينفصل عن وظيفته الحقيقية، وأن ينتهي بنا الأمر إلى استنساخ مفهوم ''الكريسماس'' بحيث يصبح الاتجار بالشهر مقدما على رسالة التقوى فيه•