تفاجأت، وربما هناك أيضا الكثير من الجزائريين الذين قد تفاجأوا حينما سمعوا بذلك المشروع المشترك بين الجزائر ومصر الذي أعلن عنه مؤخرا وزير الطاقة شكيب خليل عند مشاركته في اجتماع منظمة الدول العربية المصدرة للنفط• ولقد تفاجأت أيضا عندما قرأت في إحدى الصحف الجزائرية خبرا يقول إن إحدى دور النشر المصرية فازت بصفقة لتزويد جامعة البليدة بالكتب• وتفاجأت خطرة ثالثة لما قرأت في إحدى الصحف الجزائرية الجادة يوم 30/11/09 - والجزائر حينئذ تتلقى أسوأ وأقذر أنواع الشتم والسب من أفواه أبناء الهول وبناته - أن الجزائر ساندت ودعمت مصر في انتخابات المجلس التنفيذي للمنظمة البحرية العالمية• وقد جعلتني هذه المفاجآت، التي لم أتخيل حدوثها قط في الوقت الراهن، أطرح على نفسي السؤال الآتي: لماذا نحن مستعجلون على المصالحة والتهدئة والترضية وكأننا نحن الذين ضربنا وجرحنا وخربنا وكفّرنا ولعننا المصريين؟• لماذا نحن مستعجلون على المصالحة والتهدئة والترضية وكأن مصر في حالة احتضار وعن قريب سوف تودّع الدنيا وتلتحق بالآخرة ولن يبقى لها أي أثر على الخريطة الإفريقية، وبالتالي كان من الواجب على الدولة الجزائرية الذهاب فورا إلى القاهرة لطلب السماح حتى تموت القاهرة وقلبها راض عن السلطة الجزائرية والشعب الجزائري كل الرضا، طبعا هي الأم ومن واجب الابن أو ''الوليد'' كما سماها أحد كتّابها المعروفين إعلاميا، وليس شعبيا، المسارعة إلى نيل رضا الأم قبل فوات الأوان، أو طلب السماح كما نقول نحن، وما أجمل قولنا! لقد سمعنا مرارا وتكرارا، و قرأنا وحفظنا هذا القول أن العلاقات الدولية مصالح، وليست مشاعر حب أو كره، وأنا مع هذا الرأي إن كان رأيا، أو مع هذه النظرية إن كانت نظرية، ولكن (لا تعمل هنا) المصالح نوعان: مصالح عاجلة لا تحتمل التأجيل أو الانتظار، ومصالح آجلة تحتمل التأجيل والانتظار ويمكنها أن تأخذ من الوقت ما تشاء، والمشروع النفطي المشترك الذي أعلن عنه خليل في القاهرة كان يمكن تأجيل الإعلان عنه إلى وقت لاحق، حيث تكون النفوس قد هدأت، والأجساد التي ضُربت وجُرحت تكون قد تخلصت من آلامها وأوجاعها• أما وأن النفوس لا زالت تغلي، والأجساد لم تلتئم جروحها بعد ويأتي خليل ويعلن مبتسما عن مشروع مشترك بين الجزائر ومصر ومن مصر التي ضربتنا وجرحتنا وشتمتنا وأهانتنا وكفّرتنا ولعنتنا وأدخلتنا دائرة الإلحاد(•••) فهذا التصرف أعتبره استفزازيا ولم يراع مشاعري قط ولا مشاعر أولئك الجزائريين الذين أهينوا في القاهرة أو الذين أهينوا هنا في الجزائر عبر فضائيات التخلف والانحطاط• إنني أعلم وكل المتابعين للشؤون والقضايا الدولية يعلمون بأن حالة التوتر الموجودة الآن بين الجزائر ومصر والتي تسبّبت فيها مصر عن قصد ستزول كما زالت العديد من التوترات الدولية سواء في الماضي أو الحاضر، ويعود النظامان العربيان إلى حالة ''الحب'' والعناق والقبل والابتسامات الصفراء والحمراء و الخضراء والتي لا لون لها• يا أيها النظامان المصري والجزائري لسنا ضد تصالحكما، وحاشا لله أن نكون ضد هذا الحب والهيام والعشق الضارب في أعماق التاريخ• تصالحوا وتصالحوا، تعانقوا وتعانقوا، وتباوسوا وتباوسوا، وتضاحكوا وتضاحكوا، لكن رجاء أجّلوا هذا الصلح، وهذا العناق، وهذا البوس، وهذا الضحك وأجّلوا كل الصفقات والعقود والمعاهدات التحتية والفوقية إلى أن تهدأ النفوس، وتندمل الجراح••• وكل شيء في وقته رائع و جميل•