ارتبطت مدينة الواد في مخيلتي بفيلم '' لوتس أو وردة الرمال'' الذي كنت قد شاهدته في بداية الثمانينيات مباشرة بعد خروجه في إحدى قاعات السينما بالجزائر العاصمة، يروي معاناة شاب معوق في وسط الصحراء والعواصف، لا سند له سوى أخته المريضة، وزهرة غرسها في الرمل•• وقد بدا لي الفيلم يومها تحفة سينمائية لا مثيل لها، شدتني بمناخاتها و بفضاءاتها السوفية الساحرة التي أسقطتها على المدينة التي سكنت وجداني لم أتمكن في زيارتي الثانية التي جاءت بدعوة من جمعية محمد العيد آل خليفة بمدينة كوينين، بمناسبة تنظيم الندوة الفكرية التاسعة محمد العيد آل خليفة نهاية شهر ديسمبر المنصرم، تحت شعار ''الثقافة بين النظري والتطبيق''• من أن أمحو تلك الصورة التي شكلتها لسوف، والتي هي مزيج من ''لوتس'' وما علق بذاكرتي خلال زيارتي الأولى لها منذ عشرين سنة، ثم ما تجلى لي من إشراقات سوفية بدت لي أنصع وأصفى مما كنت أتوقع، وأنا أسير على ترابها الزعفراني متعطشا لشايها، مستنشقا بخورها وذراتها، ومتطلعا لقبابها•• كان صديقي الشاعر أحمد مكاوي، دليلي في جغرافيا مدينة الواد بحواريها العتيقة وأسواقها وأمكنتها وزواياها، يحدثني عن الكثير من معالمها وأحداثها ومساربها وإشراقاتها الكثيرة في أكثر من حقل من حقول التاريخ والثقافة والشعر، مما لا يمكن أن نحيط به في هامش واحد•• إشراقات سوف الصوفية تحيل زائرها على تلك الفسيفساء من الزوايا والطرق الصوفية التي تحفل بها المنطقة، كالقادرية والتيجانية والرحمانية، تؤثث الخارطة الروحية لإنسانها المصغي إلى صرير الكلمات العلوية، غير مكترث بصعود المادة وزحف السياسة•• أما إشراقاتها في الغناء والمقام السوفي، فإن عنوانها الكبير هو المطرب عبدالله مناعي بحضوره القوي، في الحفل الذي أقامه بمدينة كوينين على هامش الندوة الفكرية محمد العيد آل خليفة التاسعة، بمشاركة المطرب المتألق عبدالرحمان غزال، الذي أطرب ضيوف الندوة بباقة من أغاني ألبومه الرائع ''مواسم الأرض''• فضلا عن جيل جديد من مطربي الأغنية السوفية، التي صار لها مهرجان يجمع مريديها من سوف ومن غيرها كل سنة•• أما إشراقاتها الشعرية فهي الأجمل والأبعد عن زيف العاصمة وتشوهات مدن السراب، وعن مهاترات مرتزقة الثقافة، وفي سوف ثمة حراك ثقافي ومشهد أدبي مؤثث وغني بالعديد من الفعاليات الجادة والحقيقية، رغم قلة الموارد وشح ريع الشمال، على غرار الملتقى الشعري ''عرس الهامش'' الذي أسس له الكاتب والإعلامي إسماعيل غربي، والذي سينظم دورته الرابعة في شهر مارس المقبل، وعكاظية الشعر الفصيح، والندوة الفكرية محمد العيد آل خليفة بكوينين•• وثمة أيضا حركة نشر قوية، ربما تتجاوز في نوعيتها الكثير مما صدر عن كبريات الهيئات الوطنية، تتم بجهود المخلصين وحر مالهم، وثمة كتاب وشعراء مستبسلون في الكتابة رغم قسوة الجغرافيا، من طينة: بشير خلف، وبشير المثردي صاحب مجموعة ''إلى النص••ر أبحر'' والشاعر الرائي بشير ونيسي صاحب ''كتاب التجلي''، ومصطفى صوالح محمد صاحب ''قراءة في كف الريح''•• وكذا جهود الأستاذ عبدالقادر الميهي في ترجمة كتابات الكاتبة الرحالة إيزابيل إبرهاردت التي تمخض عنها صدور كتابين هما :''عودة العاشق المنفي'' يمثل كتابات إبرهاردت عن سوف، وكتاب ثان هو ''تاعليث'' ويضم عددا من قصص الكاتبة مترجمة إلى العربية•• كل هذه الإصدارات التي كتب عليها mase in oued souf % 100)) هي صفعة في وجه المراهنين على الثقافة المركزية، وهي إشراقات سوفية بامتياز كبير واستثنائي•