كرس الرئيس ساركوزي، مساء أمس، في حفل تهنئة البرلمانيين بالعام الجديد، مكره السياسي مجددا، باحثا عن أكبر هامش من المناورة الضامنة لممارسة سياسية ظاهرها ديمقراطي وباطنها الخضوع لحسابات مكيافيلية أصبحت واضحة للعيان، قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الانتخابات الجهوية المزمع تنظيمها في مارس المقبل· دعوة الرئيس ساركوزي إلى الاستناد على قرار قابل للفسخ بهدف منع ارتداء البرقع وطرحه على نواب الجمعية الوطنية لا تخرج عن ممارسة ديمقراطية محلية وتقليدية من شأنها تبرير الإجراء بصيغة وسطى، في انتظار حصيلة اللجنة البرلمانية التي يشارك فيها قانونيون سبق أن حذروا من انعكاسات المنع القانوني الصارم· القرار الذي تقدم به الرئيس ساركوزي جاء مكملا لمبادرة جان فرنسوا كوبيه، رئيس الفوج البرلماني لاتحاد الأغلبية الشعبية المسيطر في الجمعية الوطنية· وكما سبق أن مر معنا، فإن كوبيه المتطلع إلى الظفر بالإليزيه سبق أن استبق الرئيس نفسه وتقدم بمشروع قانون منع ارتداء البرقع في الفضاءات العمومية، الأمر الذي أحدث بلبلة في أوساط الأغلبية اليمينية وأحرج ساركوزي وفرنسوا فييو رئيس الوزراء ورئيس الجمعية الوطنية غير المتحمس لموقف جان فرنسوا كوبيه· وفي كلمته أمام نواب الشعب، ألح ساركوزي على الصيغة القانونية الوسطى التي تؤسس لمنع ذكي يضمن موافقة الأغلبية ويهمش الأقلية المعارضة حتى داخل الجناح الذي ينتمي إليه، ناهيك عن إحراج الاشتراكيين المعارضين من حيث المبدأ لصيغة القانون والرد على كوبيه الذي تحدى الجميع في سياق حساباته السياسوية الشخصية، كما أسلفنا الذكر، بغرض منافسة ساركوزي في مسعاه لقطع الطريق على اليمين المتطرف بزعامة جان ماري لوبان· ساركوزي وخلافا لكوبيه، دعا إلى ضرورة التوفيق بين صيغة القرار غير الحاسم قانونيا وبين استنتاجات اللجنة البرلمانية التي سيعلن عنها يوم السادس والعشرين من الشهر الجاري· وهي الدعوة التي تجاوب معها النائب الشيوعي أندري جيران الذي أطلق شرارة حرب منع البرقع من مدينته ليون· وحتى يظهر ساركوزي أكثر كياسة وديبلوماسية وحنكة من منافسه كوبيه، قال إنه من الحكمة والذكاء الاعتماد على الاستشارة البرلمانية باعتبارها مصدر السلطة الديمقراطية الحقيقة، وبذلك تتم محاصرة أصحاب الدعوة القانونية الصارمة التي من شأنها أن تتعارض مع مبدإ الحرية الشخصية وتكميم أفواه أعداء الديمقراطية والكرامة الإنسانية والمساواة بين الرجل والمرأة· وأضاف يقول إنه يجب عدم إعطاء فرصة تاريخية وذهبية لأعداء الديمقراطية الذين سيجدون في انزلاقنا مناسبة لوضعنا في مأزق لا نحسد عليه، والحكمة وحدها تسمح لنا بمعالجة قضية مصيرية تتطلب الكثير من الحذر والتروي والتبصر·