''··الآن، أستطيع أن أقول بصراحة إن الأمكنة أصبحت عندي متشابهة· ربما لأن عمري لم يعد يسمح لي بإقامة علاقات عاطفية مع أمكنة جديدة، كما لم يعد يسمح لي بإقامة علاقات عاطفية مع أناس جدد· قد أكون أكثر حصافة في العلاقة مع الناس، وأكثر مجاملة، وأكثر احتراما، لكن الوهج العاطفي خف· وهذا ينطبق علي البشر وعلى الأمكنة أيضا· وربما لكوني أتْخِمْتُ أمكنة· إن المكان في آخر الأمر إذا لم يكن منشأ ذاكرة، ومكونا لذاكرة، يصبح منظرا، مشهدا طبيعيا''. هذه الكلمة هي لمحمود درويش في إحدى حوارته العام الماضي·· ولا أعرف لما يبدو فيها طاهراً هو الآخر من جرم الأمكنة·· خاصة عندما تكون منشأ ذاكرة·· خليل النعيمي يقول: رؤية الأمكنة ذاتها تصيبنا بالعمى العيون مفتوحة للألفة·· للعمى·· لا أرى شيء· ماذا صنعت بالذهب: يقول أنسي الحاج في ديوانه ''ماذا صنعتَ بالذهب ماذا فعلتَ بالوردة'' ما يلي: في وقت من الأوقات لم يكن أحد· كان الهواءُ يتنفّس من الأغصان والماء يترك الدنيا وراءه· كانت الأصوات والأشكال أركاناً للحلم، ولم يكن أحد· لم يكن أحد إلاّ وله أجنحة· وما كان لزومٌ للتخفّي ولا للحبّ ولا للقتل· كان الجميعُ ولم يكن أحد· ويكف أنسي الحاج عن حكايات البداية لأنها متشابهة دوماً·· تنتهي لتبدأ·· فقط عندنا تبدأ لتبدأ···