محمد القورصو: ما صدر عن فرنسا دليل على استمرار سياستها الكولونيالية في خرجة غريبة عبرت باريس عن عدم رضاها وانزعاجها من مقترح قانون تجريم الاستعمار، الذي بادر به مؤخرا أكثر من 100 نائب على مستوى البرلمان الجزائري يمثلون مختلف الأطياف السياسية، في موقف آخر يترجم إصرار فرنسا على ممارسة الفكر الاستعماري والكيل بمكيالين تجاه حقوق الشعوب وجرائم الاستعمار، سواء من خلال تمجيد استعمارها، أو تجريمها لما تدعي أنه ارتكب في حق الأرمن، إلى جانب تجريم أي طعن في تعرض اليهود إلى محرقة النازية. وقال أمس وزير الهجرة الفرنسي، إريك بوسون، في تصريح لراديو مونتيكارلو “أر أم سي” الفرنسي، “إنني أتأسف للمقترح الجزائري القاضي بتجريم الاحتلال الفرنسي للجزائر في الفترة ما بين 1830 و1962، والذي اقترحه مجموعة من النواب أغلبهم من حزب جبهة التحرير الوطني”، مشيرا في ذات الوقت إلى “أن فرنسا تعتبر أن الملف على درجة كبيرة من الحساسية”. وأشار الوزير اليميني الفرنسي إلى “أن فترة استعمار فرنسا للجزائر لا زالت تحتوي على جروح لم تندمل بعد”، مشيرا إلى أنه “من غير الممكن نسيان فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار، لكن يجب تجاوز هذه المسألة”، كما حاول إظهار الوجه الإيجابي لفرنسا من خلال تأكيده على أن “الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أدان الجانب المظلم للاستعمار مهما كان، غير أنه رفض الإعتذار”. وقد أثار تصريح الوزير الفرنسي ردود فعل متباينة من أوساط الأسرة الثورية، حيث قال الباحث والمؤرخ والرئيس السابق لجمعية 8 ماي، محمد القورصو، إن التصريحات الفرنسية تعتبر بمثابة الخطوة الاستباقية من فرنسا تجاه الجزائر أو الإنذار الأولي، في انتظار إقرار القانون على مستوى البرلمان والحكومة. وأضاف القورصو في اتصال ب”الفجر”، أمس، أن الخطوة الفرنسية تكرس فعلا السياسة الفرنسية القائمة على منطق “ما هو حلال عليهم حرام علينا”، موضحا أن ما بدر من تصريحات رسمية ومن وزير فرنسي في الحكومة الحالية يؤكد تجذر الثقافة الكولونيالية والحنين إليها في دواليب الحكم في فرنسا الديمقراطية، كما تدعي. وتعكس التصريحات الفرنسية الأخيرة المنطق الذي تتعامل به باريس مع الجزائر بخصوص الفترة الاستعمارية، فقد أباحت لنفسها سن قانون يمجد الفترة الاستعمارية لفرنسا في الجزائر ومختلف أنحاء العالم، وهو قانون 23 فيفري 2005، والذي اصطلح على تسميته عندنا بقانون العار. كما ذهبت فرنسا بعدها إلى أبعد من ذلك، فمن جهة سنت القانون المذكور ورفضت مطلب الجزائر الداعي لاعتراف بجرائمها المقترفة إبان فترة احتلالها للجزائر، وقامت في نفس الوقت بتمرير قانون في الجمعية الوطنية الفرنسية يقضي بتجريم كل من لا يعترف بما تسميه فرنسا جرائم الدولة العثمانية في حق الأرمن إبان الخلافة العثمانية، وهو ما أثبت مجددا انطباق مصطلح الجمل الآسيوي ذي الحدبتين على العقلية والسياسة الفرنسية، خصوصا تجاه كل ما هو جزائري، والتي تأبى أن ترى عيوبها وترى فقط عيوب الآخرين.