لا يمكن لزائر حقيقي يريد الافتخار بنجاح زيارته إلى باريس أن يتحدث عن سحر وخرافية العاصمة الفرنسية؛ دون إثارة مقهى “ليب” الذي يعود تاريخه إلى عام 1880. هذا المقهى الذي تقع في شارع “سانجيرمان” الشهير عرف تردّد كبار رجال السياسة والفن والأدب من أمثال فرنسوا ميتران وجورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وسيرج قاسبورغ وجاين بيركين وأنطوان سانت اكزبيري - الطيار الذي احتفل بعودته عام 1936 بعد أن اعتقد أنه اختفى في الصحراء الليبية - وفرسواز ساغان صاحبة رائعة “صباح الخير أيّها الحزن” وجوزيف كيسال وليون بلوم وألبير كوزري وشارل ليندربغ ووبابلو بيكاسو وجان بول بلمندو وورمان غاري وإيف مونتون وسيمون سينيوريه ومارسيلو ماستروياني ومونيكا بيلوتشيه وفانسان كاسيل والراحل جان ايدرن ألييه وانجلو رينالدي.. وعدد آخر من مشاهير السياسة والفن والأدب. وإذا كان البعض الآخر يفضل مقهى “لي دو ماقو“ و”كافيه دوفلور” لاعتبارات وجدانية ونفسية وجمالية وعملية، فإن شهرة “ليب” زادت من حجمها أكثر من اللازم عام 1963 تاريخ اختطاف المناضل والمعارض السياسي الكبير المغربي المهدي بن بركة الذي نصب له فخ تصوير فيلم عن فكرة توحيد قارات العالم الثالث على بعد بعض الأمتار من “ليب” بتواطؤ المخابرات الفرنسية والمغربية والأمريكية والإسرائيلية، كما بيّن ذلك جليا فيلم “رأيت بن بركة يُقتل”. المقهى الذي يعتبر حانة ومطعما في آن، أسّسه الأخوان ليونار وبيترونيل ليب، هو بمثابة تحفة فنية ومعمارية من الطراز العالي وعصارة ذوق فرنسي خالص في مجال فنون الحياة بامتياز وينفرد بجو حميمي خارق بفضل أضوائه الخافتة وديكوره الفني وواجهته الزجاجية المطلة على الخارج بسهولة - الأمر الذي سهل مهمة المخبرين الذين لعبوا دورا في اختطاف بن بركة -. ولأن للديمقراطية حدود، فإن الزبائن ليسوا أحرارا تماما في اختيار الأماكن التي يريدون. وحسب معلوماتنا، فإان خطة استقبال جهنمية تعد سلفا لتوجيه الزبائن استنادا لمعايير وشروط الشهرة والموقع الاجتماعي والهندام. وفرنسوا ميتران مثلا؛ كان يجلس دائما في الطاولة رقم 1 التي تعد الأبهى والأرقى والأبعد عن الأنظار العامة. كاتب هذه السطور لم يكن له حظ التأكد من صحة الخطة ويتذكّر أنه حاور عام 1996 أو 1997 مطربنا الكبير محمد العماري في سطيحة ليب، لمجلة “الرجل” الصادرة في لندن. يومها لا أعتقد أنني دفعت ثمن المشروبات لأنني كنت طالبا جامعيا مقهورا بصدد البحث عن موقع صحفي. الفضولي يسأل العمّاري الذي أتمنى له طول العمر.