الكثير من أطفال العائلات الفقيرة وأبناء الطبقة الكادحة ومحدودي الدخل لا يفرحون بعطلة الصيف كبقية الأطفال، بعد عناء موسم دراسي طويل ومرهق، حيث تجدهم في كل مكان يبحثون عن سبيل للإسترزاق من أجل سد جوع أفراد الأسرة في ظل الظروف الإجتماعية القاسية التي تعيشها أغلب الأسر الجزائرية، بسبب الغلاء الفاحش الذي جعل هذه البراءة تضحي بعطلتها وتدخل مبكرا في سوق العمل من بين هؤلاء الأطفال، هناك من اختار بيع الأكياس البلاستيكية في الأسواق، وآخرين جمع قطع الخبز اليابس من المنازل والمحلات التجارية والمطاعم.. تجدهم يجرون عربات صغيرة ويرتدون ملابس رثة، بوجوه بائسة لا ترى فيها إلا ملامح البراءة التي ترك الفقر عليها بصماته، وآخرين تجدهم منهمكين وسط أكوام القمامة بحثا عن المواد البلاستيكية والحديدية لإعادة بيعها. وهناك منهم من يبحث في بقايا الخضر والفواكه الفاسدة بالأسواق لحملها إلى منازلهم، وهي الصور التي باتت تتزايد يوميا أمام أعين المارة، وتترجم حجم المأساة التي آلت إليها هذه الطفولة التي جردتها الظروف الإجتماعية القاهرة وقسوة الحياة من التمتع ببراءتها.. بعدما أصبح الشارع يشكل يوميات هذه الطفولة وسط درجة حرارة عالية، إذ تجدهم يمارسون أعمال شاقة ومرهقة وتفوق سنهم بكثير، لا لشيء إلا لإعالة عائلاتهم وتأمين لقمة العيش، بعد أن وقفت الظروف الإجتماعية الصعبة حائلا دون استمتاعهم بزرقة البحر ورماله الذهبية. وفي هذا السياق، فإن الطفل حينما يزج به في سوق العمل مبكرا فإنه من الصعب أن يتفوق في الدراسة ويحصل على نتائج مقبولة، حيث أكد بعض الأطباء النفسانيين أن جميع اهتماماته تكون منصبة على البحث عن وسيلة لجمع المال. وحسب بعض الأطفال الذين تحدثت إليهم ”الفجر” بسوق ”لاباستي” يبيعون الأكياس البلاستيكية، فإن الفقر يعد العامل الأول الذي دفع بهم إلى العمل، حيث قال محمد المدعو ”ميمو”: ”يوميا، منذ استفادتي من العطلة في شهر جوان، وأنا أساعد أمي في مصروف البيت، لأطعم إخوتي بعد وفاة والدي بمرض خبيث قضى على أحلام وآمال كل العائلة والتي خرج جميع أفرادها إلى العمل”. ويضيف أن والدته تشتغل كمنظفة تعمل في إطار الشبكة الإجتماعية.. وهي الظروف القاهرة التي يعاني منها الكثير من أمثاله، منهم الطفل ”ربيع” الذي وجدناه يغوص في السوق بين المارة حاملا مجموعة من الأكياس في يده وينادي بصوت مرتفع، حيث لا يمكن للمتسوق أن يمر دون أن يلصق فيه كيسا مقابل 2 دج، والذي صرح لنا أن الظروف الصعبة التي تعيشها عائلته بعد عجز والده عن العمل جراء حادث مرور جعله يجلس على كرسي متحرك، دفع به لتحمل مسؤولية البيت مبكرا لمساعدة عائلته، وكذا لشراء أدوات الدراسة الخاصة بالسنة الدراسية الجديدة. وقال لنا:”إنني أتعب كثيرا، لكن بالرغم من ذلك فإنني لا أستطيع أن أترك عملي لأن والدتي تنتظر يوميا ما أجلب لها من مال بعد بيع الأكياس”، ومثله الكثير من الذين قست عليهم الظروف الإجتماعية تجدهم يوميا يجوبون الشوارع والأسواق للبحث عن كل شيء صالح للبيع.