بعد صدور كتابي "اللون في القرآن والشعر" عن منشورات جمعية البيت للثقافة والفنون 2010، كتب إليّ بعض الأصدقاء عبر البريد الإلكتروني والفايس بوك، مهنئين ومشجعين، وقد أثني معظمهم على الجهد المشكور الذي قدمته للمكتبة الجزائرية، كل بما أوتي من لباقة ومجاملة، منوهين بجدّة الموضوع وطرافته بما يوحي بأنهم لم يكونوا ينتظرون هذه "الخرجة" مني بالنظر إلى اهتماماتي بالكتابة الأدبية، شعرا ورواية. لكن الرسالة التي شدت انتباهي هي تلك التي أرسلها صاحبها دون أن يذكر اسمه، وقد تضمنت مدحا في صيغة الذم، يسألني فيها من خلالها سؤالا ماكرا عمّا إذا لم أكن مخطئا بإقدامي على نشر هذا الكتاب "القيّم" في الجزائر، وقد كان أفضل لي لو نشرته في الكويت.. لأن الجزائريين لم يصلوا بعد إلى مستوى التفكير في هذه المواضيع..". والحقيقة أنني لا أدري بما أجيب صاحبنا عن سؤاله المجامل والمتشائل في الآن نفسه.. سوى أن أبسط بعض الخواطر التي فكرت فيها وأنا أتناول موضوع اللون في القرآن و الشعر.. لقد بدأ اهتمامي بموضوع الألوان من خلال محاولاتي في النقد التشكيلي، لينتهي عند عتبة الاهتمام السيميولوجي بالجامعة، وتحديدا في مقياس سيميولوجيا الكاريكاتير والصورة. والحقيقة إنني عندما أردت التوسع والاستزادة من خلال المراجع والكتب، لاحظت أننا نعاني عوزا كبيرا في هذا الموضوع الذي يظل بكرا وغير مطروق، وأقصد به الدراسات السيمائية التي تتناول الألوان والتفضيل اللوني، وما للألوان من معان ودلالات، ناهيك عما نعانيه من فقر في مجال النقد التشكيلي الذي يمكنه أن يضيء كثيرا من المسائل المرتبطة بالألوان، على اعتبار أن اللون احد العناصر المهمة في التعبير لدى الفنان التشكيلي الذي يكون بالضرورة ابن بيئته يستمد منها ألوانه وخاماته.. عندما قال الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون "اعرف نفسك "، فذلك يعني من ضمن ما يعنيه، أن يكون الإنسان مدركا لتفضيلاته اللونية وميوله تجاهها، ومن الغريب أن يُسأل الواحد منا عن لونه المفضل فلا يجد جوابا، أو يحار في الاختيار، لأنه ببساطة لم يخلُ بنفسه خُلوة حقيقية على طريقة السادة المتصوفة، تورثه معرفة نفسه فيسألها عن اللون الذي تفضله انطلاقا من ميوله وشخصيته وتركيبته النفسية. التفضيل اللوني أمر حيوي ومهم في حياتنا المعاصرة، لأنه جزء من ذائقة الفرد في التعامل مع حواسه ،مثله مثل تفضيل نوع معين من الأطعمة أو نوع من الأزهار أو العطور أو الموسيقى أوغيرها.. وهو يعبر عن شخصية الإنسان بشكل ما، ويُمكِّن من قراءة بعد من أبعاد شخصيته، حتى ليمكن القول "قل لي أي لون تفضل أقول لك من أنت". وعلينا أن نولي هذا الأمر الأهمية التي تليق به في الفترات المبكرة للتنشئة والتربية.. وإذا كان الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي يذهب إلى أن الحروف "أمّة من الأمم" ينسحب عليها ما ينسحب على البشر تماما من خصائص وصفات، فإننا نستطيع أن نذهب المذهب نفسه بالقول إن الألوان أمة من الأمم، ولكل واحد منها صفاته الحسيّة والمعنوية التي ينفرد بها، فتجعله متميزا عن غيره من الألوان . هذا التفضيل الشخصي للألوان داخل مجتمع ما، يؤدي إلى تشكيل ذائقة عامة في التعاطي مع الألوان بما يجعل هذا المجتمع يختلف عن سائر المجتمعات الأخرى في تفضيله اللوني، وبما يشكل بعدا من أبعاد هويته، وجزء صميما من ملامحه الحضارية، لأن الثقافة اللونية بما يشوبها من تفضيل لوني للون على حساب آخر. لا تولد بين عشية أوضحاها، بل هي وليدة تاريخ طويل يرتبط بأحداث ومراحل مرت بها تلك الأمم ، وأكثر من ذلك قد يرتبط بالجانب العقائدي فتكتسب الألوان قيما دينية أو اجتماعية . عساني في هذا الهامش أكون تمكنت من توسيع دائرة الأمل في حياة بالألوان، أو حياة باللون بالورديّ، على قول إيديت بياف، لا حياة بلون وحيد القتامة. أحمد عبدالكريم