القلب.. ذلك العضو العامل بلا كلل ولا نصب، ننام وهو يقظان لا ينام. إذا فرحنا يكاد يطير من شدة الخفقان، وإذا حَزِّنا أحسسنا بنبضة الخافت الحزنان، فيه معجزات عدة لا يتسع المقام للحديث عنها، فقد صنف علماء الأعضاء عضلة القلب؛ على أنها عضلة لا تتعب ولكنهم قالوا عنه إنه مضخة للدم، وأوحوا إلينا أن ما يقال عن الحب والبغض والخفقان، إنما هو قول الأدباء والشعراء لا علاقة له بالعلم والطب!! إنما هو مضخة وحسب. وكعادتنا إذ استشكل علينا أمر من أمور القرآن فيما يقوله أهل العلم الحديث، قلنا: “سمعنا قول ربنا وأطعنا”، وسوف تظهر الأيام صدق وإعجاز آيات القرآن الذي لا تفنى عجائبه. وقلنا قول الحق سبحانه في سورة فصلت: “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد” (53). يذكر القرآن القلب ويحدد موضعه في الصدر في سورة الحج: “فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” (46). وفي إحصاء سريع نجد أن مادة “قلب” على مستوى جذر الكلمة قد ذكرت 186 مرة، وقد أعطى القرآن العظيم للقلب أوصافاً ومسميات شتى، ولكنها لا يعقل أن تقتصر على مضخة للدم فقط.. فيصف القلب بأوصاف عديدة منها: - صفات حميدة: قلب منيب، قلب سليم، قلب مطمئن، قلب مؤمن، قلب لين، قلب تقي، قلب فيه سكينة، قلب فقيه، قلب وجل، قلب فيه خير، قلب عاقل، قلب مخبت، قلب مهدي. - صفات غير حميدة: قلب مريض، قلب متكبر، قلب جبار، قلب قاسٍ، قلب مختوم عليه، قلب غلف، قلب آثم، قلب زائغ، قلب غليظ، قلب مطبوع عليه، قلب مقفول عليه، قلب غلول، قلب عليه ران، قلب مقطع، قلب مشدود عليه، قلب غافل. وغير ذلك من الصفتين كثير. ويأتي الحديث النبوي ليضيف صفة عظيمة للقلوب. يقول النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: “أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”. هنا جاء العلم الحديث قريباً جداً ليؤكد إعجاز القرآن الكريم العظيم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن القلب ليس بمضخة للدم فقط، بل تبين أن به شبكة عصبية تشابه ما في المخ!! وأن الرسائل المتبادلة بين القلب والمخ، تبين أن المرسل من القلب أكثر بكثير من تلك القادمة إليه من المخ. ومع التوسع في متابعة هذه الظاهرة الجديدة، تبين أن الأفراد الذين تم زرع قلب جديد لهم من أشخاص قد ماتوا دماغياً، قد ظهرت عليهم علامات وهوايات وميول لم تكن عندهم من قبل! ولم يتوقف البحث في هذه الظاهرة، “ظاهرة القلوب العاقلة”، فقام فريق البحث بالتنسيق مع أهل وعائلة الذين منحوا قلوبهم ليلتقوا بمن يحملون في صدورهم قلوب المانح، فتعرف الحاملون للقلوب الجديدة على هذه العلامات التي جدت عليهم، وعلى هذه الهوايات والميول التي لم تكن عندهم من قبل!! وكانت المفاجأة أنها هي هي، التي كان يحملها أصحاب قلوبهم، فكانت معجزة من معجزات القرآن الكريم العظيم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.