أدى مشروع الترامواي إلى تحول النقاط التي تتم على مستواها الأشغال إلى ورشات مفتوحة، لا سيما الطرقات التي تشهد توافدا كثيفا للسيارات أو التي تعتبر من المقاصد المهمة للمواطنين، كحال حي طرابلس بحسين داي أو الديار الخمسة بالمحمدية، وأفرزت الأشغال العديد من الأزمات والاختناقات المرورية وصور المعاناة التي صاحبت عمليات إعادة تهيئة الأحياء والطرقات والأرصفة التي تغيرت أغلبها بالكامل، منها من كانت مصنفة ضمن الأحياء الراقية والجميلة والنظيفة، ليصبح الانطباع السائد لدى عامة الناس مشحونا باليأس وخيبات الأمل على اعتبار أن الترامواي سيلقى نفس مصير المترو...حفر، إزعاج ولا مواعيد محددة لنهاية أشغاله حسين داي، المحمدية، باب الزوار، برج الكيفان.. ازعاج ووجهات تتغير يعد مشروع إنجاز الترامواي بالجزائر العاصمة الذي تشرف عليه الشركة الفرنسية “ألستوم”، ضمن المنشآت الكبرى التي تحظى باهتمام شخصي من رئيس الجمهورية، والتي تدخل في إطار البرنامج الخماسي 2009 -2014، الذي يهدف إلى إضفاء طابع العصرنة على قطاع المواصلات، والقضاء على حالة الاختناقات التي تشهدها مختلف الطرقات الرئيسية. ويمتد طول سكك الترام على مسافة إجمالية تقدر ب23 كلم و200 متر، تعبر على مستوى خمس بلديات هي على التوالي حسين داي (الانطلاقة من حي المعدومين)، الحراش، المحمدية، باب الزوار، وصولا إلى بلدية برج الكيفان (نقطة النهاية بحي درڤانة)، كما سيوفر طاقة استيعاب تصل إلى 6800 مسافر في الساعة، 185 ألف يوميا و50 مليون في السنة. وتحدد مشروع الترامواي طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 09-249 المؤرخ في 10 أوت 2009 المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي المؤرخ في 22 ديسمبر 2005، المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية لعمليات إنجاز أول خط ترامواي الجزائر نظرا لطابع البنى التحتية ذات المصلحة العامة والبعد الوطني والاستراتيجي لهذه الأشغال. ويحتوي المرسوم التنفيذي الذي حصل على موافقة رئيس الجمهورية استنادا إلى المرسومين الرئاسيين رقم 09-128 و09-129 المؤرخان في 27 أفريل 2009، على أربع مواد تحدد المشروع بدقة مع عدد الورشات المفتوحة والمساحات المستغلة للبناء والصيانة والبلديات والأحياء التي يعبرها خط السكة على طول مسافة إجمالية تقدر ب23 كيلومتر و200 متر. ويتضمن إعلان مديرية مشاريع الترامواي والنقل بالكوابل، تحوز “الفجر” على نسخة منه، المناطق الحضرية وشبه الحضرية المعنية وهي حسين داي، الحراش، المحمدية (زرهوني مختار، حي الموز سابقا)، برج الكيفان (واد الحميز، قهوة شرڤي، درڤانة/جامعة الطب البيولوجي، درڤانة مركز)، عدد الكيلومترات، عدد المحطات البالغة 38 محطة، ورشات الصيانة المبرمجة تتكون بدورها من مستودع بقدرة استيعاب 58 قاطرة، محول كهربائي، جهاز تحكم عالي التركيز، زارتها “الفجر” خلال عملية تدشين وزير النقل لخط الترام الرابط بين برج الكيفانوباب الزوار، التي تتربع على مساحة 44 ألف متر مربع تتواجد على مستوى حي مليكة ميموني ببرج الكيفان، وكذا 9 منشآت فنية (الجسور، الأنفاق..)، منحت صفقة بنائها إلى شركة جزائرية مئة بالمئة تتمثل في مؤسسة حداد للمقاولات. محلات أغلقت.. والنشاط التجاري تراجع ب70 بالمئة وعلى الرغم من هذه المواصفات الهائلة التي يمتاز بها مشروع الترامواي والإمكانيات المادية والبشرية التي جنّدت ليرى النور في مدة أقصاها 12 شهرا، بالإضافة إلى التصور المستقبلي للمناطق المعنية بالترام التي تبدو غاية في الجمال والتنظيم (انظر الصور المرفقة)، إلا أنه أفرز العديد من المشاكل والاختناقات والمجابهات والمواجهات وحتى قطع الأرزاق وتحويل أصحاب المحلات والسكنات المتضررة من المشروع إلى أماكن أخرى في إطار التعويض، أو نزع ونقل الملكية التي حددت في إطار قانون خاص، وتثير الكثير من المتاعب والمشاكل على اعتبار أن مصالح ولاية الجزائر تواجه وستواجه بعض الصدامات خاصة مع بعض التجار الرافضين لتغيير مقر مزاولة تجارتهم بالأخص المتواجدة في الأحياء العريقة مثل حي طرابلس بحسين داي، حيث استاء العديد من التجار ممن تحدثت إليهم “الفجر” للوضعية التي آل إليها شارع يعد من أطول وأعرق شوارع العاصمة، كما أبدوا رفضهم لمغادرة الشارع الذي نشأوا فيه وخاضوا على مستواه أولى بداياتهم في عالم التجارة. ورغم تأكيدهم بأن معدلات الدخل والربح لم تعد مثل السابق وانخفضت إلى مستويات قدّرها محدثونا بأزيد من 70 بالمئة، غير أنهم اقترحوا حلا آخر غير تغيير أو مغادرة الشارع، يكمن في إعادة تهيئته وترميم العمارات والسكنات الهشة، لأن شارع طرابلس في نظرهم يصنّف ضمن التراث العاصمي. وذات المشكل ينسحب على جميع الشوارع والأحياء المعنية بسكة الترام، كحال أحياء الديار الخمسة بالمحمدية وبوسحاقي بباب الزوار وموحوس ببرج الكيفان، المصنّفة ضمن المناطق التي كانت تشهد رواجا تجاريا وقبلة سياحية تقصدها العائلات الجزائرية بكثافة. ففي جولة استطلاعية قامت بها “الفجر” عبر جميع النقاط التي يمر بها الترامواي، بدءا من حي المعدومين بحسين داي إلى غاية نقطة التوقف النهائية بوسط حي درڤانة شرقي العاصمة، اتفقت آراء التجار وأصحاب محلات الحرف على أن الأوضاع لن تعود كما كانت، إلا أنهم طالبوا من السلطات المعنية رفع وتيرة الأشغال لينتهي المشروع، الذي تسبب ليس فقط في تراجع نسبة التجارة وإنما في تدهور الطرقات وتشوه مناظر الأحياء. ولم تقتصر المشاكل الذي تسبب في خلقها مشروع الترامواي فقط على المواطنين، بل طالت كذلك الإدارات والمؤسسات العمومية وبالأخص المجالس البلدية التي وجدت نفسها في موقف محرج، كلما اشتكى السكان من متاعب الترامواي، على الرغم من عدم مسؤوليتها المباشرة أو غير المباشرة عن هذا المشروع. المحمدية.. مراسلات للولاية ولا أحد يتحرك تقول رئيسة مصلحة العمران والتعمير ببلدية المحمدية، السيدة مباركي، في تصريح ل “الفجر”، بأن المشاكل التي تسبب في خلقها المشروع باتت الشغل الشاغل لمصلحتها، فبالرغم من تنويهها بالترام الذي تعتبره حلا جذريا لمشكل النقل في العاصمة، إلا أن إفرازاته السلبية لا تحصى وبالأخص تراخي عمال المشروع في رفع الردم وأكوام الأتربة عند الانتهاء من عملية الحفر، حيث تحولت هذه المواقع -تضيف محدثتنا- إلى أماكن لرمي النفايات من طرف السكان، الأمر الذي ساهم في تعقد المشكل بالنسبة لعمال النظافة الذين أجبروا على دخول مناطق كانت في السابق تحفة في النظافة. وتؤكد السيدة مباركي بأنها راسلت المصالح الولائية أكثر من مرة لإخطارها بالتجاوزات الذي يحدثها العمال، والتي عرقلت مشروع 100 محل بحي زرهوني مختار، على اعتبار أن الأشغال مست مساحات خضراء تحيط بالمحلات، وكذا صعوبة إعادة إصلاح الأرصفة المهترئة. وتوضح رئيسة مصلحة العمران أن محلات الشواء المشهورة بشارع أولاد سيدي الشيخ بالديار الخمسة، يعود سبب غلقها لكون أصحابها لا يملكون اعتمادات لمزاولة النشاط التجاري بموجب التعديلات التي دخلت على القانون التجاري في شقه الخاص بمنح الاعتمادات الحامل لرقم 07-144 المؤرخ في 19 ماي 2007 والمتعلق بالمؤسسات المصنفة التي تعتبر ولاية الجزائر الجهة المخولة لمنح التصاريح وسحبها، والنشاطات المصنفة التي تعود مسؤوليتها إلى البلدية في إعطاء الرأي والموافقة، وليس إلى أشغال الترامواي كما يروج حاليا. باب الزوار.. تفاؤل رغم المشاكل ولا يختلف حال بلدية المحمدية من أضرار الترامواي عن جارتها باب الزوار، حيث يشير مدير التجهيز والتعمير، محمد العربي طايبي، ل “الفجر”، بأن الأشغال التي تمر على مستوى طول 7 كيلومتر و200 متر، تمس حيي ربيع الطاهر و8 ماي 1945، تسببت في عرقلة حركة المرور، بفعل لجوء مصالح البلدية مؤقتا لتغيير بعض المسارات، كما أن الاهترائات التي طالت معظم الأرصفة أجبرت الراجلين على تقاسم الطريق مع السيارات، فضلا عن إزعاجات الشاحنات وآلات الحفر حتى في الليل بالأخص في الأحياء السكنية. ويضيف محدثنا بأن المشكل العالق الذي يعيق سير بعض الأشغال على مستوى البلدية، يتمثل في أكوام الأتربة التي تتماطل المؤسسة القائمة على مشروع الترامواي في إزالتها. وأبدى، في ذات السياق، السيد طايبي، تفاؤله من المشروع في بلدية باب الزوار، لأنه فتح مناصب شغل عديدة، ويترقب أن تصبح بعض الطرقات والأحياء أجمل مما كانت في السابق على حسب التصور الذي وضعته ولاية الجزائر، ناهيك -يضيف ذات المتحدث- عن حالة الفوضى التي ستزول نهائيا عن بعض الشوارع التي كان يغزوها الباعة الفوضويون باستغلالهم للرصيف خاصة على مستوى حي بوسحاقي. شارع طرابلس بحسين داي.. أضرار وحلول في سياق ذي صلة، يبقى شارع طرابلس بحسين داي الأكثر تضررا بلا منازع استنادا إلى اعتبارات عديدة تتصدّرها البنايات الهشة، طول الشارع الذي يحاذي بلدية الحراش من الجهة الغربية ممتدا على مسافة تزيد عن أربعة كيلومترات. في هذا الصدد، يقول نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لحسين داي المكلف بالتجهيز والعمران في تصريح ل “الفجر”، بأن الآثار الجانبية لمشروع الترامواي تركت انطباعات سيئة لدى سكان بلدية حسين داي لمسها من خلال الزيارات التي كانوا يقومون بها إلى مقر البلدية، حيث -يضيف محدثنا- أجمعت شكواهم حسرة على الأشجار الشامخة التي كانت تزين الشارع التي اختفت تماما بسبب مشروع الترامواي. وفي السياق، يقترح السيد مرسي على المصالح الولائية اقتراحات تندرج في إطار توسعة شارع طرابلس للخروج بنتائج عملية تتمثل في تهديم البنايات الهشة لإزالة خطر الانهيار التي قد تسببها الهزات المنجرة عن آلات الحفر، وكذلك إزالة المستودعات القديمة التي تتربع على مساحات شاسعة يمكن استغلالها في إعادة غرس الأشجار مع الحفاظ على نفس النوع. لكن، يؤكد محمد مرسي، أن هذه الاقتراحات يجب تجسيدها على أرض الواقع قبل أن يتم الانتهاء من وضع السكك وإلا فسوف يعاد بالأشغال إلى نقطة البداية. وفيما يتعلق بالتعويضات، أوضح نائب رئيس بلدية حسين داي المكلف بالعمران، بأن العائلات وأصحاب المحلات المعنيين تم تعويضهم بالكامل مع تسجيل حالات من الاستحسان والرضا. برج الكيفان.. تغييرات جذرية غير موفقة تنتهي محطات توقف الترامواي بالجهة الشرقية في بلدية برج الكيفان، حيث يمر بشارع علي خوجة الذي يعتبره سكان المنطقة الرئة النابضة لمن كانت تسمى عند الإسبانيين قديما “اغوا فويرتا” أي حصن البحر، إذ كان يمتاز الشارع قبل أن تشقه سكك الترام بنظافة مميزة وموقعا تتجمع فيه العائلات في سهرات الصيف، بالإضافة إلى شكل المباني التي يعود وضع أساساتها إلى فترة الكولون. وفي هذا الصدد، أفاد المهندس سفيان سديرة، المكلف بمتابعة أشغال الترامواي، على مستوى بلدية برج الكيفان في تصريح ل”الفجر”، بأن مشروع الترامواي طرح العديد من التغييرات التي طالت العمران والبنايات التحتية، على اعتبار أن المشروع يصنف ضمن المشاريع العمرانية وليس عملا هندسيا صرفا، إذ يكمن الفرق- يضيف محدثنا- في كون الأول يراعي خصوصيات الحياة اليومية للمواطن وتتداخل جوانب عديدة منها الثقافية والنفسية والاجتماعية لتجسيد المشروع العمراني مثل الترامواي، وليس بناء هندسيا بحتا يتم إحاطته بجدار عازل حتى لا يسبب مضايقات مثل تشييد فيلا أو عمارة. وفي هذا الإطار، أوضح المكلف بمتابعة أشغال الترامواي ببلدية برج الكيفان، بأن المشاكل التي أفرزها الترامواي وإن كانت طبيعية في نظره، إلا أنها تفاقمت كونها لم تجسد وفق خصوصيات المكان أو حياة المواطن اليومية، تتصدر هذه المشاكل في برج الكيفان قدم شبكات المياه التي كانت تنفجر من حين لآخر كلما طالت عمليات الحفر مكان تواجدها، سببها ضعف في الدراسة المعدّة من طرف المؤسسة المشرفة على الأشغال. ويعيب سديرة أيضا التدخلات البطيئة للقائمين على المشروع في حال وجود خلل. ويشير ذات المتحدث إلى أنه تم تسجيل بعض النقائص خاصة في حي علي خوجة التي تشرف الأشغال به على الانتهاء، وهو نفس الحي الذي انطلقت منه أول عربة ترامواي تجريبية أشرف وزير النقل على تدشينها يوم 20 ديسمبر من العام المنقضي، حيث تأتي في طليعة هذه النقائص ضعف الإنارة العمومية، ناهيك عن الكوابل الكهربائية التي باتت تشكل خطرا حقيقيا بفعل مرورها مباشرة من أمام شرفات المنازل، سببها التصاق الأعمدة مباشرة مع البيوت والمحلات التجارية ومنها ما وقع عند مداخلها تماما. وأكد ذات المتحدث أنه تمت مراسلة مؤسسة ترامواي الجزائر بخصوص هذا الإشكال، وينتظر التدخل لتصليح الوضع. ومن بين المشاكل أيضا التي نبه إليها المهندس سديرة، هي نوعية الأشجار التي عوضت بالنوع الأول قبل اقتلاعها، حيث يقول بأن السكان اشتكو منها على اعتبار أنها ليست هي التي وعدوا بها لغرسها فور الانتهاء من الأشغال. وبخصوص موضوع التعويضات، أكد محدثنا بأنها مرت بمراحل طبعها التذبذب، منها ما لم يتم الفصل فيها لحد الساعة في أروقة المحاكم، وأخرى استفاد منها متضررون على أكمل وجه، بينما تبقى هناك مطالب بضرورة التعويض مثل تجار سوق فايزي وعائلات تقطن إحدى المدارس قدمت ملفات قصد الاستفادة قبل أن تجد نفسها تفترش الشارع.