شدني مقال الصديق حميد عبدالقادر "التأسيس الفعلي للذات العربية "بزاوية "مرايا " ، قدم فيه مقاربة جديدة لمفهوم الثورة من منظور جديد، في ظل التطورات الأخيرة التي حصلت في تونس وفي مصر ، ذلك انه ذهب إلى أن مفهوم الثورات التقليدية قد ولى إلى غير رجعة ليحل محلة مفهوم جديد يبشر بثورات ما بعد الحداثة، التي تتسم بغياب الإيديولوجيا ونظرياتها، ومساهمة الأفراد الفعلية على حساب المجموعة أو الحشد ،وغياب الزعامات الكاريزماتية وقادة الرأي ، وهي نفسها الأسس التي قامت عليها معظم ثورات القرن العشرين، بالنظر إلى ما كانت ترتكز عليه من اطر ومرجعيات إيديولوجية ، وممارسة ثورية يذوب فيها الفعل الفردي لحساب الفعل الجماعي . و بالمحصلة فإن الثورة الجديدة أو ثورة ما بعد الحداثة، يمكن توصيفها على أنها " ثورة بلا نظرية ثورية، ولا تنظيم ثوري، وهي ثورة ضد هيمنة الإيديولوجية، وضد القيم، ضد السياسة، بل ضد منظومة التفكير الغربية ". وهو ما قد يوحي بأن ثورة بهذه الخصائص قد تكون خطرا على نفسها وعلى المجتمعات ،مثلما رأى بعض المحللين في ثورة الشباب الفرنسي خطرا على الجمهورية الفرنسية .. ثورة الياسمين في تونس ، في نظر محمد جويلي ، هي التجلي الفعلي والتمثل الحقيقي للثورة الجديدة أو ثورة ما بعد الحداثة ، لكن حميد عبدالقادر يذهب إلى أكثر من تأكيد هذه الحقيقة بالقول بأن ثورة الشباب في تونس لا تختلف كثيرا عن ثورة ماي 1968 الطلابية في فرنسا و التي هزّت عرش الجنرال شارل ديغول وتسببت في تغييرات جذرية في المجتمع الفرنسيّ. الثورة" التي نقلت فرنسا من جمهورية تبالغ في فرض الواجبات على المواطنين، إلى دولة تضع حقوق مواطنيها في المقدمة " كما قيل عنها. إن عبارة " لا تختلف كثيرا ".. لا يجب أن تعني هنا التقليل من أهمية ثورة الياسمين في تونس أو أنها مستنسخة عنها ، نظرا لاختلاف السياقات التاريخية بين الثورتين ، ومنطق التاريخ حتى وإن كان يوهمنا بأنه يعيد نفسه ، لا يعني بالضرورة أن نفس المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج والنهايات بدليل أن الشباب الفرنسي حاول استنساخ ثورة 68 خلال أحداث الضواحي عام 2005، وخلال 2010 ضد سياسة ساركوزي ، إلا أنها لم تكلل بالنجاح رغم أن الكثير من المحللين بالغوا في المقارنة بين الثورتين ، بل وتساءلوا هل هي عودة ثورة 1968؟. لقد بدا لي في وقت ما أن كلمة الثورة في حد ذاتها صارت كلمة بائدة ، يجب وضعها في متحف التاريخ لأنها ارتبطت بالحركات التحررية والمد القومي الذي شهده العالم العربي ، لكنها أثبتت مع الأحداث الأخيرة ، التي لم تجد غير اسم الثورة ، قدرتها على التجدد المستمر في الزمان والمكان وتجاوز محددات الحداثة وما بعدها ، لتتجاوز أنزياحاتها الفعل الثوري ببعده العسكري والإستراتيجي الذي ترسخ في أذهاننا ،خاصة نحن الجزائريين ، إلى كل فعل يهدف إلى التغيير الذي يمكن أن يطال المادي والمعنوي على حد سواء . إن الثورات على امتداد التاريخ ، بغض النظر عن تصنيفاتها إن كانت تقليدية أو حداثية ،أو ما بعد حداثية ، لا تختلف إلا في الوسائل والإستراتيجيات التي تمليها سياقات بعينها ، أما الجوهر فهو واحد حتى وإن تعددت الغايات والمآلات ،وهو يحيل على فعل الرفض الواعي والاحتجاج الرامي إلى تغيير شروط الوجود الإنساني . لا في شقة المادي والخارجي العرضي فقط. بل أيضا في جانبه الجواني والوجداني الذي يعد حجر الزاوية في كل تأسيس فعلي للثورة ، التي تستهدف الذات أولا قبل الإملاءات الخارجية والصغوط المحيطة ، المرتبطة بالظروف المعيشية والوظائف الحيوية والبيولوجية، تصديقا لقول الله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ومن هنا لا يمكن تصور ثورة ما بعد الحداثة على " أنها ثورة في الهواء "حسب ما ذهب إليه الدكتور غالي شكري في كتابه " النهضة والسقوط في الفكر العربي ". ثورة بوهيمية ، أشبه بقفزة في الفراغ ، مفرغة من أي بعد أو محتوى فكري أو وجداني مهما كان ..ومن هنا أيضا أهمية الربط بين الذات والثورة ، بهذا الشكل الذي تحدث عنه حميد عبدالقادر . أحمد عبدالكريم