في الأردن واليمن، وخاصة في تونس ومصر، الشعوب العربية تندد بالأنظمة الحاكمة غير المرغوب فيها من طرف الشعوب التي خرجت مطالبة بالعدالة وبدولة القانون والديمقراطية، أما النقطة الأساسية فهي الأصوات التي تريد التقليل من قدرة هذه الأحداث على تحقيق أهداف الثورات الشعبية التي لا تمت بصلة للحركات الإسلامية التي عادة ما تكون في الطليعة لإشعال الأوضاع. إن الاحتجاجات المباشرة العنيفة الراديكالية سارعت لاحتلال الشارع بطبيعة يصعب التحكم فيها. فكيف وصلنا إلى هذه الوضعية؟ إن الأسباب المباشرة والآنية للثورة، يمكن التعرف عليها بسهولة، وكانت معروفة من طرف جميع وسائل الإعلام: بالنسبة للجزائر، كان السبب هو ارتفاع أسعار المواد الأولية، وفي تونس كانت المطاردة البوليسية للمهن الظرفية الهامشية، التي تعتبر المصدر الوحيد للشباب البطال، وأيضا الحڤرة وبيروقراطية الدولة ضد كل "من ليس له سوى عينيه للبكاء"، ولكن كل هذه الأسباب ما هي سوى قنابل مؤقتة تشكلت مع مرور سنوات من الحكم الشمولي والتسيير التقليدي للأملاك العمومية للدولة، وصم الآذان تجاه معاناة المجتمع، من قبل الأنظمة الحاكمة، وتبديد المال العام، والرشوة. إن الشعوب العربية، لا تطالب اليوم بالغذاء أو بتخفيض الأسعار وتحسين القدرة الشرائية. إن المطالب الحقيقية تعتبر سياسية، ويجب التأكيد على ذلك. إن الشعوب الثائرة أصبحت ترفض الأنظمة السياسية القائمة منذ سنوات، حيث أصبحت الشعوب تعرف جيدا أنها من غير ديمقراطية وحرية التعبير والحريات العمومية لن تصل إلى الحصول على شيء من نظام سياسي مدمَر مصاب بهوس السرقة. لقد ذهب العديد من المحللين إلى إبراز الدور الذي لعبته الدول الغربية في الإطاحة بنظام بن علي، والهزات العديدة التي تعرض لها نظام مبارك، وعلى رأس الدول الغربية، الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي وضعت ورقة طريق للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولإعادة تركيبه سياسيا. وحتى وإن كانت هذه النظرة ليست خاطئة بالمطلق، فإنه ليس من الأنسب السماح بالاعتقاد بأن الثورات الشعبية العربية مسيرة عن بعد من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أرغمتها هذه الثورات الشعبية على إعادة النظر في دبلوماسيتها في المنطقة. إن هذه المطالب هي مظاهر داخلية خاصة بالشعوب العربية. وكما يقول الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ": "إن القضايا الخارجية لا تصلح سوى بواسطة القضايا الداخلية. إن تعريض الحجر لكمية من الحرارة، لا ينتج شيء، أما تعريض البيضة لكمية من الحرارة، فإنه يعطي كتكوت". يجب الإشارة إلى أن قائمة الاحتياجات الأساسية لشعوب المنطقة، الواجب تحقيقها، تتم بإضافة الديمقراطية، التي أصبحت مفتاحية لحل الكثير من المشاكل الأخرى (الغذاء، الصحة، القدرة الشرائية...) بالحصول على الحق في التعبير والانتخابات الحقيقية، التي تسمح لهم باختيار ممثليهم، وكذا حقهم في عدم التعرض لمراقبة جميع العمليات التي يعبرون بها عن مصالحهم، والحق في رؤية حلول فعلية لمشاكلهم الحياتية. كل هذا فهمته جميع الشوارع العربية، حتى وإن كانت غير قادرة في بعض الحالات على التعبير عنه بصراحة بلغة سياسية. من قال إذن، إن الشباب العربي قادرون فقط "على صراخ الأطفال"؟! الدروس المستخلصة من الثورتين التونسية والمصرية على الرغم من التحليلات الجادة والأصيلة التي لم تنجز بعد، إلا أن الثورتين الشعبية التونسية والمصرية، تذكرنا ببعض الإنجازات التي تسمح السيوسيوليوجية السياسية، بوضعها، والتي لا توجد تحفظات بشأنها. ويمكن أن نذكر على الأقل خمس منجزات منها: 1 - الدولة التي سيطر عليها رجل، ويريد تسييرها لوحده، ببيروقراطية، فإن المجتمع ينحدر نحو الكل الأمني، وهو ما يحقق نتائج عكسية لما يطمح له: أ - التفكك الاجتماعي. ب - الفوضى. ج - العنف. المواجهة بين بيروقراطية الدولة والمجتمع بدون وساطة مؤسساتية ينجم عنه في الشارع مظاهر لا يمكن إصلاحها. 2 - دولة قوية، هي دولة شرعية لها الثقة في شعبها، وتعتمد على هذا الشعب لتسيير المجتمع. "يجب أن نصنع من كل مواطن عضوا فعالا في الدولة، من خلال السماح له بالوصول إلى المهام والخدمات التي تهمه أكثر، وبهذه الطريق بربطه أكثر باستقلال الدولة" (توماس جيفرسون). إن الذي أسقط صدام حسين ونظامه السياسي، هو الهجوم العسكري الأمريكي الذي قاده الرئيس بوش، ولكن أيضا نقمة الشعب العراقي ضد النظام المتعفن والدموي، الذي وضعه لحكم الشعب العراقي. إن الشعب العراقي هو الوحيد الذي كان قادرا على الدفاع عن وطنه لو كان النظام شرعيا. 3 - إن تسيير المجتمع أو الحوكمة، كما نسميها اليوم، لن تنجح في غياب مؤسسات قوية: نقابات، أحزاب سياسية، هيئات ضبط، حركات جمعوية، يمكنها تغطية المهمة الرئيسية للوساطة بين السلطات العمومية والمجتمع بمختلف مكوناته. 4 - المشاكل السياسية، غير قابلة للذوبان في الاقتصاد. إنها تتمتع بمنطق مستقل، ويجب أن تتمتع بمعاملة خاصة. إن النمو الاقتصادي بحد ذاته سيطالب يوما ما بالديمقراطية والحوار الاجتماعي. 5 - إن الديمقراطية، هي حاجة اجتماعية أساسية. إن دولة القانون هي "العلاج لديمقراطية مريضة، فإن ذلك هو المزيد من الديمقراطية". (طوماس جيفرسون). ولكن "حرية الفرد تنتهي أين تبدأ حرية الأخريين". أين الجزائر من كل هذا؟ لقد عرفت الجزائر هزات شعبية منذ سنوات، مطالب عنيفة، أعمال شغب، وأقلها راديكالية، ليست التي اندلعت بداية جانفي الفارط، مع ثورة الشباب التي شملت جميع أنحاء الوطن. إن هذه الأحداث يجب قراءتها على أنها عنوان لمشاكل اجتماعية، ولكن لا يجب أن تقتصر القراءة على ذلك. إنها أيضا ثورة على طريقة التسيير السياسي للمجتمع، التي لم تسمح باندماج الجزائريين، وخاصة الشباب. إن ثورة الجزائريين، أقوى من قدرة مؤسسات الدولة على ضمان تحول ديمقراطي سلمي. لماذا إذن تقوم الدولة بتجميد مؤسسات الوساطة والحوار والمشاركة السياسية للبلاد؟ وعلى الدولة التوقف عن التلويح بالخطر الإسلامي، لأن الجزائريين دفعوا كثيرا من أجل التأكيد أنه لا يريدون ذلك! ماذا نستخلص نحن؟ 1 - إن التعددية النقابية معترف بها في القانونّ، ولكنها مرفوضة في الواقع. على الرغم من أنها ضرورية جدا لتعزيز الحوار الاجتماعي والديمقراطية الاجتماعية. 2 - الثلاثية موجودة، ولكنها تعمل كزائدة دودية للحكومة، فهي لا تفضي لأي ملف اقتصادي واجتماعي، إن اللقاءات وطرح الآراء وبناء الإجماع، لماذا لا يتم توسيعها لجميع النقابات وتقنين ذلك؟ 3 - المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي موجود، ويتوفر على ميزانية، ولكنه لم يتم تجديده، فهو لا يتم إخطاره بأي شيء تقريبا. إنه من الضروري إعادة تفعيله بسرعة لأنه منبر جيد للحوار وتبادل الآراء، والتفكير حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى للأمة. يجب التذكير أن المجلس يجمع ممثلين عن الدولة والنقابات والباترونا والخبراء، هي فضاء جيد للحوار الديمقراطي والتفاوض الذي يسمح بتطبيق السياسات العمومية بالإجماع. 4 - مجالس التربية والشباب والتكوين. كانت موجودة وسمحت بالنقاش حول ملفات محورية. حتى وإن كانت بحاجة إلى تفعيل وجعلها أكثر تمثيلية، فلماذا تم إلغاؤها؟ 5 - المجلس الوطني للطاقة، يسمح بتوسيع التفكير حول السياسة الطاقوية للبلاد، التي أصبحت أكثر من حيوية اليوم لتجنب الأخطاء التي يمكن الوقوع فيها من طرف الإدارة القائمة على تسيير القطاع، لماذا تم تجميده؟ 6 - الحركة الجمعوية معترف بها دستوريا، ومقننة، ولكنها تعمل بطريقة فوضوية، لأنها لا تتوفر على إمكانات، وتم تركها لمصيرها، وهي تعيش بطريقة طفيلية. على الرغم من أنها آلية جيدة لمساعدة المجتمع للتكفل ذاتيا بمشاكله، كما أنها آلية مناسبة لتحضر المجتمع والبناء الصحيح للمواطنة، إذن لماذا تم تعطيل كل هذه المؤسسات؟ ولماذا لم تترك هذه الهيئات تعمل بحرية؟ إننا لم نتطرق للشق الثاني للتحول الديمقراطي، إنه الشق المتعلق بالتعددية الحزبية. ألم يحن الوقت لمراجعة قانون الأحزاب وتفعيل الحياة السياسية الوطنية؟ يجب تحرير مجالات التعبير، وتفعيل المؤسسات الموجودة ودمقرطتها وإعادة الحياة للمجتمع السياسي والمدني. إن السير على القدمين، هو الالتزام الجاد والحريص، بالتحول الديمقراطي للجزائر، "ديمقراطية قوية"، كما صنفها العالم السياسي الأمريكي، "بن يامين. ر. باربير". بمعنى ديمقراطية متجذرة في المجتمع بعمق. نعم يمكننا فعل ذلك في الجزائر. ولكن يجب التذكير مرة أخرى، "أن الجبال لا ترجع لنا سوى صدى أصواتنا"! إذن يجب قياس مخاطر التحول الديمقراطي الذي أصبح أكثر من ضروري. إن أي مسار عنيف ومكلف اجتماعيا، لا تحتاجه البلاد.