بالرغم من ولوج المرأة عالم الشغل ببلادنا منذ سنوات طويلة واقتحامها لعدة مجالات منها السياسية، الإدارية والرياضية وحتي الفلاحية، ومنافسة الرجل فيها، لكن لاتزال بعض الوظائف والمهن حكرا على الرجال نظرا لعدم قدرة المرأة على أدائها. ومن بين هذه الوظائف الشاقة، مهنة المحضر القضائي، التي ظلت بولاية سطيف حكرا على الرجال طيلة عقدين كاملين، إلا أنه في الآونة الأخيرة، ومنذ سنة ونصف، خاضت المرأة هذه المهنة، وتحملتها بكل جدارة بالرغم من نظرة المجتمع الجزائري لمهنة المحضر القضائي “العدائية”. ومن أجل التعرف أكثر على كيفية أداء هذه المهنة ومدى نجاح المرأة في أدائها وقدرتها على تحمل المسؤولية، اقتربت “الفجر” إليهن لمعرفة ظروف ممارسة المرأة لهذه المهنة. وكانت أول محطة هي دائرة عين الكبيرة، الواقعة بشمال الولاية المعروفة بطابعها الجلي ومسالكها الوعرة، أين التقينا بالمحضرة القضائية “فيروز بودوخة” التي تتنقل يوميا من الحدود الجنوبية إلى أقصى الحدود الشمالية، على مسافة تزيد عن 100 كلم ذهابا انطلاقا من منزلها ببلدية حمام السخنة للوصول إلى مكتبها بمجلس قضاء عين الكبيرة، ثم تتنقل بعدها وتقطع مسافات طويلة. وخلال حديثنا معها، أكدت لنا أن دورها يكمن في الوصول إلى منزل المواطن وتبليغه بالحكم القضائي المتعلق به، أو استدعائه لحضور الجلسات وتنفيذها لاسترجاع الحقوق.. وهذه المهمة ليست سهلة بحكم البعد وعزلة المناطق من جهة والطريقة التي ستستقبل بها حين وصولها إلى منزل المواطن الذي تريد تبليغه، قائلة “يكشر المعني في وجهي بمجرد علمه إنني أتيت لتبليغه بحكم قضائي”، وفي غالب الأحيان تضيف فيروز “أستخدم قدراتي الفكرية والشخصية لإقناع المعني بقبول الحكم ومن ثم التنفيذ، و رغم أني حديثة في المهنة إلا أنني نفذت قرار هدم جزء من بناية دون حرج رغم صعوبته، كما نفذت حكم تسليم طفل محضون رغم عاطفة الأمومة، وأنتقل إلى أقصى نقطة حدودية بولايتي بجاية وجيجل لتبليغ أصحاب القضايا، على غرار منطقة عش الغراب ووادي عفرة تمدوين بجبال البابور، وغيرها من المناطق الجبلية والنائية البعيدة، ومع ذلك لا أجد حرجا في هذه المهنة التي رغبت فيها لأنها متجددة غير مملة أحتك فيها بكل أطياف المجتمع، وأنتقل إلى أعماق الهضاب وكل الأماكن حيت أتطلع على كل الحالات الاجتماعية”. كما تقول المتحدثة إن آداب الحوار وحسن المعاملة هي صفتها في التبليغ، “أبلغ المعني بالأمر، وأوضح له كل الإجراءات التي يجب اتخاذها، لقد ألف المواطنون التبليغ عند المرأة واستحسنوها خاصة إذا تعلق الأمر بتيليغ امرأة باعتبار المنطقة محافظة، نحظى بحفاوة الاستقبال”. وتضيف أنها تعمل على التوفيق بين هذه المهنة وعمل البيت كباقي النساء العاملات، ورغم بعد المسافة فالالتزام بمواعيد العمل واحترام التوقيت أساس النجاح في العمل.