يبدو أن التلويح بالتدخل العسكري الذي تهدد به الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي قد أثار فعلا مخاوف القذافي من وصوله إلى نفس مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فتراجع عن نبرته الهجومية ليتجه أكثر فأكثر نحو الاستسلام طالب القذافي وبالأحرى أرسل المهندس عزوز الطلحي، وهو رئيس وزراء سابق وابن عم رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، ليعرض على الهيئة التي تقود المعارضة تشكيل لجنة لتسيير شؤون الحكم في البلاد بعد تنحيه مقابل ضمان سلامته الشخصية وسلامة عائلته وعدم ملاحقتهم قضائيا. وهذا الموقف الجديد الذي أعلنه القذافي وتراجعه عن تمسكه بالسلطة حتى آخر جندي كما كان يقول، قد يكون الأنسب لليبيا. فتنحي القذافي عن الحكم مقابل ضمان سلامته الشخصية وسلامة عائلته وإعفائهم من أية متابعة قضائية قد يكون أكثر إيجابية ويخدم مصالح ليبيا على المدى البعيد، لأنه سيجنبها عواقب تدخل أجنبي، قد ينقل البلاد من هيمنة نظام فاسد ظالم إلى احتلال مستبد وناهب لثرواته النفطية، وبالتالي فقد يكون تنازل المعارضة الليبية أو الشعب الليبي عن محاسبة القذافي رغم كل الدماء التي أراقها خطوة في اتجاه حقن نزيف المزيد من دماء الليبيين ويخدم المصلحة الوطنية العليا. وهذا الموقف قد يكون الأرجح بالنسبة للشعب الليبي خاصة بعد تعذر إنهاء حكمه رغم كل الضحايا الذين سقطوا طيلة الأسابيع الفارطة وتعذر حسم المعركة ضده التي يريد بها بعض الأطراف توجيه ليبيا إلى حرب أهلية تقود إلى حتمية التدخل العسكري الدولي فيها. لكن المجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا رفض جملة وتفصيلا عرضا من العقيد معمر القذافي بعقد اجتماع لمؤتمر الشعب العام (البرلمان) ليعلن خلاله تخليه عن السلطة. وقال المجلس، حسب مصادر إعلامية، إن السماح بتنحي القذافي ورحيله فيه نوع من الخروج المشرف له، وإنه تنازل عن حقوق من يرى أنهم كانوا ضحايا حرب وجرائم ضد الإنسانية، ممن سقطوا ليس أثناء الثورة الحالية فحسب بل في أحداث سابقة تسبب فيها نظام القذافي. ونفى رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" ووزير العدل الليبي السابق مصطفى عبد الجليل، أمس الثلاثاء، وجود أية مفاوضات مباشرة مع الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال عبد الجليل في تصريح صحفي "إننا نقدر الجهود التي يبذلها الناشطون الحقوقيون في البلاد لوقف إراقة الدماء في ليبيا ولكن في الوقت الراهن لا توجد أي فرصة لاستمرار حكم القذافي لليبيا بعد الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الليبي". وأضاف أن "الشعب الليبي قد يتنازل عن ملاحقة معمر القذافي جنائيا إذا تنحى عن الحكم"، مشيرا إلى أن المجلس الانتقالي يبذل جهودا مكثفة ويجري اتصالات مع مسؤولين أمريكيين وأوروبيين لبحث آخر مستجدات الموقف على الساحة الليبية، مطالبا الدول والمنظمات "بالاعتراف بالمجلس الانتقالي". ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي أفادت فيه تقارير إخبارية بأن طائرات عسكرية شنت غارات جوية على مواقع للمعارضة المسلحة ضد النظام في ليبيا في شرق مدينة رأس لانوف.