لا تزال المعارضة الليبية تؤكد على مواقفها التي أبدت من خلالها استعدادها الدخول في هدنة مشروطة مع العقيد معمر القذافي من أجل التوصل إلى حل سياسي يجنب ليبيا المزيد من الخراب، على حد وصف رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، وتأكيد الوسيط الأممي عبد الإله الخطيب الذي زار طرابلس وبنغازي لبحث إعلان وقف إطلاق نار ويعتبر الخبراء أن قبول المعارضة الليبية لمبدإ التفاوض من أجل إيقاف وقف إطلاق النار، مؤشر على أن خيار انقسام ليبيا تحت غطاء الهدنة السياسية، هذا بات خيار الهدنة، يلوح في الأفق بشدة خصوصا بعدما عرف عن ثوار ليبيا رفضهم للحوار مع العقيد القذافي في أكثر من مناسبة اقترحها عليهم القذافي، لكنهم رفضوا ذلك وكان آخر رفض للحوار قبل هذه المبادرة هي عدم استجابتهم لدعوة الاتحاد الإفريقي قبل أسبوع من أجل التفاوض مع العقيد لإيجاد مخرج سياسي. يصف المراقبون تصريحات المسؤولين الأوروبيين حول أهدافهم في حرب ليبيا بالسطحية، ويقول المراقبون أن حديث وزير الدفاع البريطاني عن تواجد قوات بريطانيا يهدف إلى دعم المدنيين وحمايتهم، ليس صحيحا، مشيرين إلى أنهم يسعون إلى تقسم ليبيا، من خلال وضع الليبيين أمام الأمر الواقع، لصعوبة حسم الحرب لصالح الثوار. وتشير تسريبات بعض الصحف الكبرى والتي لها اتصال بمراكز اتخاذ القرار في بعض دول التحالف إلى أن الدول الغربية يخططون فعلا لتقسيم ليبيا. ويخشى الليبيون من ذلك السيناريو المرتقب، مشيرين إلى أن دول الجوار مثل الجزائروتونس ومصر لا بد أن يتحركوا من أجل إجهاض ذلك المخطط، الذي يقول عنه الخبراء الليبيون أنه لا يصب في مصلحة دول الجوار ولا يخدم أمنها القومي. ويأتي تأكيد ثوار بنغازي على قبولهم لمبدأ وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات للحوار، في وقت لا تزال قوات القذافي تواصل زحفها نحو بنغازي وتوجه ضربات قاسية للمعارضة التي كانت طلبت إمدادها بالسلاح، لكن دون أن يلقى طلبها أي صدى من طرف التحالف الدولي. ووصف اللواء المصري وقائد معركة عاصفة الصحراء في العراق سنة 1990، محمد على بلال، في تصريحات خاصة ل”الفجر”، الوضع في ليبيا بالخطير من الناحية العسكرية لاختلال موازين القوى، وقال القائد العسكري إن مؤشرات انقسام ليبيا باتت تلوح في الأفق خصوصا مع توارد أخبار أن الحرب بين الموالين للقذافي ومعارضيه لا تزال تراوح منذ أربعين يوما منطقة واحدة، وهي راس لانوف والبريقة، وهو ما يعزز أن تكون تلك المنطقة هي خط الفصل لكل من الجهة الشرقية التي ستمثل ليبيا الجديدة تحت سيطرة المعارضة، التي انضم إليها أبرز رموز النظام الليبي، والجهة الغربية التي ستمتد من سرت إلى الحدود التونسيةالجزائرية، وهي ستبقى تحت سيطرة نظام العقيد معمر القذافي إلى أن يتوصل التحالف الدولي إلى طريق للإطاحة به بشكل يجنب ليبيا مزيدا من الخراب. وقال اللواء بلال: “من الصعب الإطاحة بالقذافي عن طريق الزحف نحو طرابلس”، ولا بديل عن شق صفوفه من الداخل وهذا أمر يتطلب دور المخابرات والالتزام بمنطق الخيانة. هذا ويخشى الخبراء الآن من تفكُّك ليبيا مرة أخرى على امتداد حدودِها القديمة؛ نتيجةً لسقوط النِّظام، “السُّكان في الشرق ينظرون إلى “بنغازي” باعتبارها عاصمتَهم الحقيقة”، وردت هذه الجملةُ في تقريرٍ أصدرَه معهد “ستراسفور” هذا الأسبوع، وهو عبارة عن منظَّمة غير ربحيَّة تُقدِّم المشورة والأبحاث، وتتخصَّص في الدِّراسات الاستراتيجية، كما ورد في التقرير أنَّ سيطرة الإقليم على العاصمة طرابلس كان على يد القذافي، ولكن ذلك لم يتمّ تبريرُه تاريخيًّا. وجاء في تقرير “ستراسفور” أيضًا أن الخطر الآن يَكمن في “انقسام ليبيا مرَّة أخرى إلى طرابلس، وبرقة، ووجود مركزين للقوة”، وبذلك لا يكاد يكون للإقليم الغربي قليلِ السُّكان “فزان” أيُّ دور على الصَّعيد السياسي. وكذلك يبدو أن “تشارلز جوردون” مدير شركة استشارات إدارة المخاطر ميناس في لندن يَعتبر أن انقسام ليبيا ممكن، حيث حذّر في كلماته ل “نيويورك تايمز” من أنَّ لَمَّ شمل ليبيا سيُصبح صعبًا في المستقبل، وأنه يوجد فجوات عميقة بين الشَّرق المظلوم منذ وقت طويل، والغرب الذي نمّاه القذّافي. والقذافي نفسه يعلم منذ وقتٍ أطول عن خطر الانقسام هذا؛ حيث كان الحاكمُ المستبِدُّ يتخوَّف من الميول الانفصالية، كما حذّر في أثناء قمَّة إفريقية عربية عُقِدت أكتوبر الماضي في “سرت” الليبية من أنَّ انقسام جنوب السودان “مرض سوف تُصاب به إفريقيا بأكملها”. وفي السياق ذاته، يعد فيشيسلاف ماتوزوف رئيس جمعية الصداقة الروسية العربية واحد من أبرز الخبراء في مجال الشؤون العسكريين الذين تحدثوا عن أن انقسام ليبيا خيار مطروح وبشدة. وقال: “إن هناك خطر انقسام دولة ليبيا إلى 3 أجزاء في حال سقوط نظام معمر القذافي”. معتبرا أن الأحداث الجارية في ليبيا تختلف نوعيا عما حدث في تونس ومصر وما يحدث حاليا في البحرين واليمن، لأن المجتمع الليبي يختلف عن المجتمعات في هذه الدول. وهو ما يعزز من احتمال انقسامها إلى دويلات عن طريق القبيلة.