طرحت وجهات النظر المختلفة لقادة التحالف الرئاسي حول تصورهم لطبيعة التغيير في الجزائر، تساؤلات عن المرحلة المستقبلية للبلاد، خاصة مع عدم تحقيقهم لشبه إجماع حول عدة قضايا جوهرية، أهمها على الإطلاق تعديل الدستور ونوعية النظام السياسي المناسب، حل البرلمان من عدمه، وبقاء الحكومة أو رحيلها في ظل غليان الجبهة الاجتماعية باستثناء إجماعهم حول فكرة رفض المجلس التأسيسي “لأنه اختزال لجميع الإنجازات المحققة منذ الاستقلال”، وتعديل قوانين الانتخابات، الأحزاب والإعلام. كانت حصة حوار الساعة التي تبثها التلفزة الوطنية، فضلا عن المناسبات الحزبية لتشكيلات التحالف، المرآة العاكسة لتصوراتهم لكيفية تحقيق التغيير، فالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، رافع لصالح النظام الرئاسي، قناعة منه بأن النظام البرلماني غير مناسب في الوقت الحالي، بالنظر لقصور “النواب”، حتى وإن لم يفصح عن ذلك صراحة مستعملا عبارات عدم وجود المناخ المناسب لتطبيق النظام البرلماني. وعكست مساندة بلخادم، لفكرة النظام الرئاسي نوعا من الدفاع عن السلطة التنفيذية على حساب التشريعية، قياسا بما يتمخض عن الأنظمة الرئاسية التي تضع أغلبية الصلاحيات في يد الرئيس، مثلما هو الشأن في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يضطلع الرئيس بصلاحيات لا يمكن مقارنتها بتلك الممنوحة لمؤسسات الأخرى، غير أن النظام الأمريكي كأصل للنموذج الرئاسي وعلى خلاف ما يعتقد الكثير، احتكم إلى هذا النوع من الأنظمة على خلفية تاريخية وسياسية فرضتها الحرب الأهلية التي نشبت بين الشمال والجنوب، وشساعة المساحة ووجود فيدراليات أو دويلات قائمة، تقتضي هذا النوع من الأنظمة لضمان الوحدة الترابية، فضلا عن وجود تشكيلتين سياسيتين فقط، ممثلة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومجلس للشيوخ متعدد الصلاحيات يساهم في تحقيق موازنة وممارسة حق الاعتراض على قرارات الرئيس، الأمر الذي هو مغيب في الجزائر، كون عدد الأحزاب يفوق بكثير تلك التي هي موجودة بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ما يجعل في نهاية الأمر تحقيق التوازن في حالة خلاف مع الرئيس لدى مجلس الشيوخ أو الأمة يخضع في نهاية الأمر لنوعية الأحزاب الممثلة فيه، حتى وإن كانت هناك حصة الثلث المعينة من طرف الرئيس مثلما يقره النظام الرئاسي. من جهته أ الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، يستند للنموذج الفرنسي في العديد من المفاهيم السياسية، الأمر الذي جعله يرافع لصالح النظام شبه الرئاسي، قناعة منه بأنه الأنسب للجزائر ونوعية طبقتها السياسية، ما أعطى الانطباع بأنه يريد إبقاء دار لقمان على حالها، والمرافعة لتعديلات لا ترقى إلى وصفها بالتغيير الحقيقي. فيما أبو جرة سلطاني بالنظام البرلماني، معددا المناقب التي تترتب عنه وفرص مشاركة الشعب في تسيير أموره لأنه يكرس سلطة الشعب، كون الحكومة تنبثق عن الأغلبية البرلمانية والوزراء هم الفرع التنفيذي للبرلمان ومسؤولون أمامه، ورفض أبو جرة، في دفاعه عن النموذج البرلماني الحجج التعجيزية التي أقرها غريماه فيما يخص تطبيق هذا النظام، أهمها مستوى النواب والعدد الكبير للأحزاب، علما أن العديد من التشكيلات السياسية رافعت للنظام البرلماني، كحركة الإصلاح، الجبهة الوطنية الجزائرية وحزب العمال. كما كانت نقطة حل البرلمان موطن الخلاف بين قادة التحالف الرئاسي، حيث دافع كل من أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم، لبقاء البرلمان وعدم حله، لأنه “لا توجد أزمة سياسية تقتضي حل المؤسسة التشريعية”، عكس ما يعتقده أبو جرة سلطاني، الذي أقر بإفلاس البرلمان في أداء مهامه وفشله في الدفاع عن مصالح الشعب والأمة. وفضل الأمين العام للأفالان، تسمية الأمور بمسمياتها، فيما يخص الغليان الاجتماعي الذي تشهده عدة قطاعات، واقترح تغييرا حكوميا لمعالجة الأمور، وهو نفس الطرح الذي صدر عن رئيس حركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، في حين استنجد أحمد أويحيى بالأرقام للدفاع عن أداء طاقمه الحكومي والتهرب من تحمل المسؤولية الأدبية عن الإخفاقات العديدة التي هزت الشارع. وبقيت نقطة المجلس التأسيسي القاسم المشترك الوحيد الذي جمع نظرة قادة أحزاب التحالف الرئاسي، حيث أجمعوا على رفضهم للفكرة “لأنه رجوع للوراء واختزال لجميع الإنجازات والتغييرات التي أقرتها الجزائر منذ سنة 1963”، بالإضافة إلى دعوتهم إلى إدراج تعديلات عن مجموعة من القوانين أهمها قونين الانتخابات والإعلام والأحزاب.