عمل المرأة، طموحاتها، نجاحها وإثبات وجودها في المجتمع جعل منها كائنا متميزا في زمن وجدت فيه حريتها واستقلالها من كل الضغوطات الاجتماعية التي فرضت عليها سابقا. هذه الحرية التي مكّنتها من لعب أدوار مهمة على أكثر من صعيد، إذ خرجت من القاعدة التي تقول “مكان المرأة في البيت” وفي المقابل وجدت نفسها تواجه ضغوطات نفسية لا يمكن أن يقضي عليها تقدمها ونجاحها في العمل، ولذلك أصبحت تحن للعهد الذي كانت فيه مكلفة بأداء مهمة واحدة وهي رعاية أسرتها والمحافظة على كيانها. ومن هذا المنطلق، قررت بعض هؤلاء النسوة عن قناعة التخلي عن فكرة العمل والاكتفاء بأداء هذه المهمة. حول هذا الموضوع كانت لنا وقفة مع إحدى السيدات المثقفات الماكثات في البيت والتي استشهدت بالبيت الشعري “إن الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبا طيب الأعراق” وهي الصورة التي انطبعت في أذهان كتابنا والتي رسخت في ذهن المرأة نفسها كونها الخلية الأساسية والركيزة المتينة التي يقوم عليها المجتمع، وكما قيل عن الأم التي حملت سرير ابنها بيمينها تحمل العالم بشمالها، تقول محدثتنا “وبالرغم من أنني تحصلت على شهادات في الدراسات العليا وأثبت نجاحي في منصب شغلي والذي هو منصب حساس، إلا أنني تخليت عن كل شيء من أجل سعادة أسرتي الصغيرة بعد أن تأكدت أن ذلك أجمل تضحية”. كثيرات هن السيدات المثقفات اللواتي فضلن المكوث في البيت على العمل، طبعا لكل واحدة أسبابها وظروفها. وحسب قناعتها الشخصية، فإن السيدة “صفية.م” متحصلة على شهادة جامعية عليا تخصص حقوق فضلت أن تكون ربة بيت مسؤولة عن أعبائه تمنحه الحنان وكل الحب ليمنحها هو في المقابل الراحة والسكينة. فعلى الرغم من مستواها وحصولها على تقدير عال يؤهلها للعمل بالجامعة ومزاولة مهنة المحاماة، إلا أنها اختارت الزواج والراحة النفسية وسط أسرة صغيرة ناجحة، وقالت إنها اكتفت بأمومتها والعيش في حضن أسرتها بعد أن رأت أن العمل يأخذ معظم وقتها ولا يبقى إلا القليل منه تمنحه لعائلتها وأولادها والذي لا يكفي للاهتمام بشؤون أفراد الأسرة، فالحياة الزوجية حياة مقدسة خصوصا إذا تغلب عليها لقب الأم على لقب العاملة أو لقب المحامية خاصة إذا كان الزوج هو الحبيب الذي هو أهل لتضحيتها. حقيقة أصبحت المرأة العاملة تشعر باليأس والإحباط نتيجة الضغوط التي تواجهها أثناء العمل من مشكلات ومضايقات أثناء العمل بالإضافة إلى شؤون الأسرة من تربية الأبناء وتحقيق الاستقرار الأسري. وأمام كل هذه التحديات التي تواجهها في حياتها، فضلت بعض النسوة العاملات تدبر شؤون الأسرة المادية، فيما قالت لنا سيدة أخرى إن المرأة التي تخرج للعمل لا يمكنها أن تنجح في تربية أبنائها ومتابعتهم يوميا وبشكل مستمر.. وربما هذا هو السبب الحقيقي وراء عدول بعضهن عن فكرة العمل. ومهما يكن -تضيف محدثتنا- فإن الأم هي أفضل إنسان يمكنه التعامل ومراعاة شؤون الطفل، فعملها يقضي على كل العاطفة التي تكون بين الأم وابنها، وبالتالي يؤثر ذلك سلبا على مستقبل الطفل كما أن تواجدها في العمل طوال اليوم من شأنه أن يفك دعائم الأسرة وبذلك يميل ميزان البيت إلى الخراب. ومهما يكن ورغم صعوبة معادلة النجاح في العمل أو تحقيق سعادة الأسرة، نجد بعض النساء اللواتي يشغلن مناصب ومراكز عليا أثبتن فيها وجودهن كنساء، ومع ذلك سهرن على رعاية أسرهن على أكمل وجه. والحقيقة هنا أن المسألة مسألة كفاءة وإرادة وطموح، فالمرأة اليوم لها طموحات تتعدى سقف بيتها وتكون بذلك قد أدت وظيفتين ورسالتين البيت ورعاية شؤونه والمجتمع وخدمته. وعلى الرغم من ذلك كله، نجد بعض الظروف تضع المرأة اليوم في نقطة حرجة تجعلها في شك دائم أمام قراراتها، فهي بين نارين، النجاح وتحقيق الطموحات وفرض نفسها في المجتمع، والثانية والتي قد تكون جنّتها بيت هادئ صغير به بكاء ناعم لطفل بريء يريد حنان أمه الدائم.. فهنا على المرأة اتخاذ القرار ومعرفة الفرق بين من هو المهم من الأهم البيت أو العمل؟!