يشكّل المهرجان الوطني للكتاب وأدب الشباب، وقبله جائزة علي معاشي لأدب الشباب، مناسبة سانحة للحديث عن أدب الشباب وشجونه، وبأي معنى نفهم هذه العبارة الفضفاضة التي تحتوي على أكثر من معنى.. مهما يكن المعيار الذي سنحتكم إليه في تحديد معنى" أدب الشباب "، هل هي السنّ أم المجايلة أم الاختلاف والتعبير عن الراهن ؟ ستظل هناك ثغرة يمكن الطعن من خلالها في مفهوم أدب الشباب. لكن الثابت في كل التعاريف التي يمكن أن نجتهد في اقتراحها، هو أن مرحلة الشباب في عمر الكاتب تشكل في الغالب الأعم المرحلة الأهم في حياته، لأنها المرحلة التي يتأسس فيها وعي الكاتب بالحياة والكتابة ويتحدد مساره الإبداعي، ليأتي ما ينتجه الكاتب في مرحلة النضج لاحقا ومتمّما لتجربة الكاتب التي تغتني بخبرات وتجارب ليست هي الأهم ولكنها هي الأكثر عمقا وعيا ونضجا.. ذلك يعني ببساطة أن كل الكتب قابلة للقراءة، بغض النظر عن مواضيعها أو القيم التي تحملها، وربما يكون هذا النوع من التوجيه صالحا لفئة الفتيان أو الكتب الموجهة للأطفال. أما فيما يتعلق بالشباب فلا يمكن أن نفرض عليهم نمطا معينا من الكتب لقراءتها، والتعاطي مع أفكارها. بل إن المطلوب هو قراءة ما يمكن من الكتب التي يمكن أن تشكل أرضية تبنى عليها الكتابة وتحرير فعل القراءة عند الشاب من كل القيود والحدود التي يمكن أن تحول دون معانقة أكبر القضايا التي تشغل الإنسان حيثما كان، واللقاء الورقي والإفتراضي بأكبر الكتاب والشخصيات، وبدون قراءة عميقة تكون الكتابة عقيمة.. بهذا المعنى فإن عنفوان الكتابة وانطلاقها وتمرّدها يكون في مرحلة الشباب، وهو ما يفهم أيضا مقولة الشاعر الأمريكي ت.س إليوت: "يندر أن يبقى الشاعر شاعرا بعد سن الخامسة والعشرين.."، لأن الشاعر بعد هذه السن يكون قد استنفد كل طاقاته الشعرية بعد اندفاعاته الأولى، وعليه لكي يستمرّ أن يتحوّل إلى مرحلة التأمل الكفيلة بتقديم رؤيا جديدة للعالم يمكنها أن تغني تجربة الشاعر الشاب بعناصر جديدة.. يحدّثنا التاريخ عن الكثير من الكتاب والشعراء الذين خلدوا أسماءهم ولم يتجاوزوا مرحلة الشباب، بل إن أجمل عطاءاتهم وإبداعاتهم تمّت وهم بعد في مرحلة الشباب، منهم الشاعر"طرفة بن العبد" صاحب المعلقة الشهيرة، الذي توفي وهو لم يتجاوز بعدُ السادسة والعشرين من عمره، ومنهم في عصرنا الحديث الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي أبدع ما أبدع وتوفي وهو في ريعان الشباب.. وغيرهما كثير في بلدنا الجزائر.. عادة ما تتميّز التجارب الأولى للكاتب بكونها تجارب قرائية، يبدو الكاتب من خلالها متأثرا بما قرأه لغيره من كبار الكتّاب، ومن شكّلوا مصدر إعجاب وإلهام له، لكنه سرعان ما يتخلص من تلك التأثيرات ليصفو صوته، ويصبح سيّد أسلوبه وإبداعه بعيدا عن كل التأثيرات الجانبية.. القراءة والارتباط بالكتاب، سواء بالنسبة للكاتب أو لغيره من القرّاء العاديين، أمر لا يمكن الإسغناء عنه، لأنها هي معين الأفكار ومصدر الخبرات، وصقل الأدوات وتحرير المخيّلة.. وبدونها لا يمكن للكاتب أن يقدم شيئا ذا أهمية تذكر. أحمد عبدالكريم