الصوم طاعة لله تعالى يثاب عليها المؤمن ثوابا مفتوحا لا حدود له، لأنه لله سبحانه، و كرم الله واسع، وينال بها رضوان الله جل علاه واستحقاق دخول الجنان. روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: “إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد” ويبعد المؤمن بالصوم الخالص نفسه عن عذاب الله و سخطه بسبب ما قد يرتكبه من معاص و ذنوب، فهو كفارة لجميع السيئات من عام لآخر إلا المظالم وما شابهها فإنها حق العباد و لا تكفر إلا بأدائها كاملة لأهلها. وبالطاعة يستقيم أمر المؤمن على الحق الذي شرعه الله عز وجل لأن الصوم يحقق التقوى التي هي امتثال الأوامر الإلهية و اجتناب النواهي. قال جل ذكره في سورة البقرة: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر و على الذين يطيقونه فدية طعام مساكين فمن تطوع خيرا فهو خيره وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”.( 183-184-185 ). ولقد كان من الطبيعي أن يفرض الصوم على الأمة التي يفرض عليها الجهاد في سبيل الله لتقرير منهجه في الأرض، وللقوامة به على البشرية، وللشهادة على الناس. فالصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة و مجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد. كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثارا لما عند الله من الرضى والمتاع. وهذه كلها عناصر لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك والذي تتناثر على جوانبه الرغائب والشهوات والذي تهتف بسالكيه آلاف المغريات. وذلك كله إلى جانب ما يتكشف على مدار الزمان من آثار نافعة للصوم في وظائف الأبدان وطهارة النفوس وتقارب الأشقاء وتوحيد الصفوف ومحاربة الدخلاء وآثار أخرى قد يجهلها الإنسان ولا يعلمها إلا الله عز وجل. إن الله تعالى يعلم بعلمه الأزلي القديم أن التكليف أمر تحتاج النفس البشرية فيه إلى عون و دفع واستجاشة لتنهض به و تستجيب له، مهما يكن فيه من حكمة و نفع حتى تقتنع به و تراض عليه. ومن ثم يبدأ التكليف بذلك النداء الحبيب إلى المؤمنين المذكر لهم بحقيقتهم الأصيلة ثم يقرر لهم بعد ندائهم ذلك النداء أن الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، وأن الغاية الأولى هي إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله سبحانه. أجل إنها التقوى، الغاية الكبيرة من الصوم.. فهي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثارا لرضاه. والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال. والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله تعالى، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم ،وهذا الصوم أداة من أدواتها وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئا يتجهون إليه عن طريق الصيام “لعلكم تتقون”. بقلم الشيخ الطاهر بدوي