الفلسطينيون سعداء لأنهم جعلوا من قضيتهم القضية الرئيسية في اهتمامات الأممالمتحدة خلال انعقاد جمعيتها العامة هذه السنة، وحسبهم، هذا أكبر انتصار لقضيتهم حتى لا يقروا بفشل مساعيهم باستصدار اعتراف أممي بدولتهم. المفارقة أنه لأول مرة تقف حماس في غزة وإسرائيل على نفس الخط، كلاهما رفض ذهاب محمود عباس إلى الأممالمتحدة بهكذا مشروع. وبقدر ما كانت الاحتفالات صاخبة في الضفة، كانت شوارع غزة هادئة وكأنها في عالم آخر غير فلسطين، وهو ما يعني أن إسرائيل نجحت إلى الأبد في جعل من قضية فلسطين قضيتين، ومن شعبها شعبين، لكل منهما أولوياته ومطالبه وحروبه التي يخوضها ضد الآخر، بدلا من أن يخوضها ضد العدو الأساسي، إسرائيل، وهذا ليس بالجديد فقد كان الشارع صاخبا أثناء العدوان على غزة في ديسمبر 2008. نجاح آخر لم يتحدث عنه الفلسطينيون ولم يهتم له الشارع العربي الثائر، وهو أن عباس رغم افتقاره لكارزمية عرفات وهو يعلن في خطابه عزمه على الذهاب إلى الأممالمتحدة يطلب الاعتراف بدولة فلسطين، كشف الوجه الحقيقي للموقف الأمريكي والأوروبي على حد السواء، وكشف ازدواجية الخطاب عند أوباما وساركوزي.. هؤلاء الذين هبوا لنجدة الشعب الليبي وأتوا بالدبابات والصواريخ وجندوا كل إعلامهم ودبلوماسيتهم للدفاع عن الشعب الليبي الذي كان يذبح على يد قائد مجنون، ويحضرون هذه الأيام لتدخل آخر لحماية الشعب السوري باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وباسم هكذا قيم لا يؤمنون ولا يعترفون بها إلا لشعوبهم، هاهم يمنعون الفلسطينيين من حقهم في الاعتراف بدولتهم وبحقهم كشعب على وجه المعمورة في أن يعيش ككل الشعوب، يحمل هوية وعلما وقيادة معترفا بها من قبل الجميع.. قالها أوباما.. إسرائيل أولا! ولا صوت يعلو على صوت إسرائيل. أما ساركوزي الذي خاف أن يفقد ود العرب الذي كسبه من تدخله في ليبيا، حاول الحفاظ على ماء الوجه، وأهدى عباس كرسيا متحركا مثل كراسي المعوقين، كرسي ملاحظ، مثل ملاحظي الانتخابات في الوطن العربي، يجلس ويسمع ويرى، لكنه ممنوع من الكلام. لا أدري إن كان الشارع العربي الذي صفق لساركوزي في ليبيا، وهتف لأوباما في مصر، وفي اليمن واستجدى في سوريا تدخلا أمريكيا لحمايتهم من قهر بشار، لا أدري إن كان هؤلاء فهموا نظرة أمريكا والغرب إلينا كشعوب، أم مازالوا في حاجة إلى المزيد من الإهانات حتى يفهموا ؟!