نوّه نور الدين لرجان، ممثل وزارة الثقافة، مساء أول أمس، بقصر الثقافة ”إمامة”، بتلمسان خلال إعطائه إشارة انطلاق فعاليات الطبعة الثالثة لمهرجان الموسيقى الأندلسية المغاربي في كلمة ألقاها نيابة عن وزيرة الثقافة بأهمية هذا المهرجان باعتباره قاسما مشتركا يجمع شعوب المنطقة المغاربية التي تتميز بالحس المرهف والتذوق الرفيع لهذا اللون التراثي الضاربة جذوره في أعماق التاريخ والمتجدد في الذاكرة البشرية لهذه الشعوب، مشيرا إلى العمل الدؤوب والمتواصل لخدمة الموسيقى الأندلسية العتيقة من أجل الترويج لها في المحافل الدولية وبهدف تقديم صورة عن مقام الشعوب العربية، لا سيما المغاربية بين مصاف الأمم. استهلت أوركسترا ”أحباب الشيخ الغافور”، لمدينة ندرومة الحفل بباقة غنائية منوعة من التراث الأندلسي الأصيل من خلال ”نوبة الماية والرمل” عبّرت عمّا تزخر به الجزائر بصفة عامة وتلمسان بصفة خاصة من موروث ثقافي أندلسي يعود إلى زمن قديم، حيث استطاعت أن تمزج بين الموسيقى الرنّانة والكلمات المعبّرة والصادقة الإحساس ذات اللحن الجميل، رسمت بها سنفونية من الجمال والوصلات الطربية المتسلسلة التي تطرق المسامع بنوع من الدفء والصدى الهادئ، لتتخلها بعض المقاطع الحماسية أدّاها الجوق على وقع العزف على آلة البيانو والڤيتارة والدف على غرار وصلات ”سلطان الإله”، ”انظر إلى لحظته” ومقطع ”عشية لكنها”، التي تفاعل معها الجمهور الحاضر لبرهة من الزمن، الذي شد انتباهه أنامل الفنانين وهي تداعب الآلات الموسيقية بطريقة تدل على التفنن والتميز في الأداء، سافرت به عبر رحلات عديدة إلى عالم الفن النبيل والأصيل جعلته يغرق في التمعن فيها وفي معانيها، لازمته كأحلام تراوده ليل نهار لا ينفك مبارحتها، ناهيك عن وصلات أخرى من المديح الديني عن رسول الحق أثلجت صدور الحضور. كما عانقت الجماهير الحاضرة من مختلف الشرائح مرة أخرى الفن والذوق الرفيع مع الفنان سمير تومي القادم من العاصمة رفقة فرقته الموسيقية المكونة من 12 عنصرا يتّسمون بالاحترافية، حيث تمكّن من صنع الحدث في سهرة افتتاح المهرجان المغاربي حين قدم طيلة سويعة من الوقت أجمل ما جادت به قريحته العذبة وحنجرته الدافئة فتنقل بين جنبات الأغاني بسلاسة لا تقل جمالا ورونقا صوتا ولحنا عن مبادئ وأسس هذا الفن من الموسيقى التراثية فغنى جملة من أغاني الوصلات الهادئة بالإضافة الحماسية ذات المواضيع الهادفة والشريفة صنعت فسيفساء غنائية أطرب بها مسامع الجمهور التوّاق لأغانيه وحرّك بها قلوب العطشى للحب والعشق التي امتلأت شعورا وحنانا وإحساسا فياضا، فحمل بأغانيه ومعزوفاته الرقيقة على غرار ”زارنب محبوبي”، ”قم ترى براعم اللوز”، ”محبوبتي خاطرت”، بالإضافة إلى بعض الوصلات والمقاطع الخفيفة التي اشتهر بها أدت إلى تفاعل الحاضرين معها بقوة كبيرة حركت فيهم مشاعر الصمت وجمود الجسد، فكان من بين ثناياها أغنية ”يا نسيم الروض”، ”البشارة” وكذا ”ما كنت أدري لولاكم”، بالإضافة إلى مجموعة من المقاطع الأخرى الجميلة ك ”أسفي على ما مضى”، ”فرقة الحبيب لي نهواه” التي أديت بطريقة مميزة حبست الأنفاس وتركت اللحن العذب يجول في كل خاطر وكل نفس. للإشارة، فقد تتخلل حفل الافتتاح تكريم خاص للشيخ والفنان محمد الغفور الذي لم يشهد التكريم وقد ناب عنه في تسلم الشهادة التقديرية عرفانا بمجهوداته في خدمة الفن الأندلسي نجله عبد الحق الغفور. ويأتي هذا التكريم باعتبار الشيخ أحد رموز الأغنية والموسيقى الأندلسية في الجزائر وبخاصة في منطقة الغرب الجزائري عاصمة الثقافة الإسلامية تلمسان، وأبرز الوجوه التي مكّنت هذا الفن من الحفاظ على مكانته في منطقة المغرب العربي. وحسب ما قاله عبد الحق الغفور، فإن والده غاب عن الحفل لأنه اعتزل.