لا يزال الوضع البيئي المتدهور بمدينة عين التوتة بباتنة مطروحا بقوة، جراء الشكاوى المتكررة للمواطنين ومطالبتهم بمنحهم الحق في الهواء النقي والابتعاد عن الأمراض الناتجة عن تلوث الجو، وهو ما أصبح مستعصيا على عشرات الآلاف من المواطنين بهذه الدائرة المحاصرة بالمحاجر وبمصنع الإسمنت. وقد أثار القضية مؤخرا مجموعة من الأطباء والمختصين خلال اليوم الدراسي الذي احتضنته المدينة، وكان النقاش الأبرز يتمحور حول ارتفاع وتيرة الإصابة بالربو وسط جميع الفئات العمرية وكان العامل الذي اعتبره المتدخلون رئيسيا ومسببا مباشرا للداء يتمثل في المحاجر الكثيرة الواقعة على الطريق الرابط بين باتنة وعين توتة والقريبة من هذه الأخيرة بدرجة أكبر، وهي تشتغل صباح مساء مفرزة الغبار والأدخنة السّامة التي قتلت المساحات الفلاحية المحاذية لها، وحوّلت مئات الهكتارات إلى أراضي بور رغم النداءات المتكررة للفلاحين والجمعيات المهتمة بالبيئة، ما قلّل من المساحات الخضراء المساعدة على تلطيف الجو. وصرّح أحد الأطباء بأن دخان المحاجر له آثار وخيمة على صحة السكان على المدى البعيد والمتوسط، حيث يسبب صعوبة في التنفس للأشخاص المقيمين قريبا منها ويصيبهم بالربو مهما ارتفعت درجة مناعتهم، خصوصا وأن المحاجر المملوك جلها للخواص لا تنتهج الآليات المنصوص عليها قانونا للتخفيف من تلوث المحيط، وينصب اهتمام القائمين عليها على الربح المادي بالدرجة الأولى. ويكون مصنع الإسمنت الواقع بالضاحية الجنوبية للمدينة، مسببا رئيسيا هو الآخر لمرض الربو، إذ رغم الوعود التي أطلقها القائمون على إدارة المؤسسة منذ مدة باقتناء مصفاة ذات معايير عالمية للحد من تلوث الجو والمحيط، غير أن نسبة الأدخنة السّامة التي تنفثها مداخن المعمل لا زالت في تزايد مستمر رغم النداءات الكثيرة للجمعيات المختصة للتقليل منها. ويذكر أن اللجنة المختصة للمجلس الشعبي الولائي أكدت خلال أشغال الدورة الأخيرة أن مدينة عين التوتة من أولى مناطق الولاية في التلوث ونبهت إلى خطورة الوضع البيئي في المدينة، وأكدت وجوب التدخل العاجل من كل الفاعلين في استدراك الوضع. كما أوصى المتدخلون في الملتقى بأهمية المساحات الخضراء في التقليل من حدة مرض الربو وتلطيف الأجواء، ودعوا إلى ضرورة تنظيم خرجات منتظمة نحو المناطق النائية للكشف عن المرض وعلاجه في المراحل الأولى وتنظيم عمل المحاجر وفق الأسس التي لا تضر بالصحة، إلى جانب توعية المواطن بطرق الوقاية من المرض. و حسب تدخلات المختصين، فإن عديد الأسباب تجعل البلدية معرضة أكثر من غيرها لزحف الداء وأهمها انعدام النظافة والروائح الكريهة المنبعثة يوميا من مستودعات الدواجن المنتشرة بكثرة في الأحياء، وعلى ضواحي المدينة وما تفرزه كذلك من أوساخ، لا توفر المحيط الصحي النقي، بالإضافة إلى الأدخنة المتصاعدة من المفرغة العمومية الواقعة على الطريق الرابط بين عين التوتة وبريكة بمحاذاة مصنع الإسمنت، حيث عادة ما يعمد القائمون عليها إلى حرقها، علما أنها لا تقع بعيدة بالقدر الكافي على التجمعات السكانية.