رئيس الجمهورية يهنئ الشعب الجزائري بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم    الجيش الصحراوي يستهدف مقر دعم وإسناد لجيش الاحتلال المغربي بقطاع الكلتة    تجربة رائدة ومُلهمة في الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية    بتكليف من رئيس الجمهورية, السيد ربيقة يشارك في مراسم تأبين الرئيس الأسبق لجمهورية ناميبيا    وزير الشؤون الدينية والأوقاف يقدم واجب العزاء الى عائلة شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية بوهران    مركز بيانات البنك الوطني للإسكان يتحصل على شهادة تصنيف دولية للفعالية والموثوقية    لقاء مستقبل الرويسات-اتحاد الحراش: اللجنة الأولمبية والرياضية الجزائرية تدعو إلى تعزيز القيم النبيلة التي تمثلها الرياضة في المجتمع    كرة القدم: الاتحادية الجزائرية تدعو إلى القضاء على العنف في الملاعب    المرصد "الأورومتوسطي": الحالة الصحية والنفسية للمحررين الفلسطينيين "مروعة"    تجارة: تنصيب اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بتنظيم معرض التجارة البينية الإفريقية    طريق تندوف-الزويرات: رخروخ يدعو الشركات إلى دعم الورشات لتسليم المشروع في الآجال المحددة    بوغالي يمثل رئيس الجمهورية في مراسم تنصيب الرئيس المنتخب لجمهورية الأورغواي الشرقية    غوتيريس يدعو إلى السلام والعدالة مع بداية شهر رمضان    العمل/الصحة: التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخلية لجراحة المخ والأوعية ضمن إطار التغطية الصحية    قضية اتحاد الجزائر-نهضة بركان: إنصاف محكمة التحكيم الرياضي انتصار للجزائر وللحق    ليلة ترقب هلال شهر رمضان ل2025 سيكون غدا الجمعة    صناعة الأدوية: الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في افريقيا    تجديد اتفاقية التوأمة بين جامعة الجزائر 3 وجامعة تيفاريتي الصحراوية    جنيف: لوناس مقرمان يلتقي بالمدير العام لمنظمة العمل الدولية    مراد يبرز الجهود المعتبرة لمنتسبي الحماية المدنية من أجل حماية المواطن وممتلكاته    تحسن في التزويد بالماء الشروب في عدة بلديات بغرب وهران بعد إطلاق مصنع تحلية مياه البحر للرأس الأبيض    المغرب يتحول إلى "مكب" للنفايات الأوروبية: جريمة بيئية تكشف فساد النظام وتثير غضب الحقوقيين    مجلس الأمة يُجمّد علاقاته مع نظيره الفرنسي    القضاء على إرهابي وآخر يسلّم نفسه    إقبال واسع على الأسواق الجوارية بالجنوب    ارتفاع قيمة التداول ببورصة الجزائر    رحلة ليلية جديدة بين العاصمة ووهران    السيد قوجيل يعزي في وفاة محمد عبد اللطيف بلقايد شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية    الشلفاوة يقتربون من المقدمة    تحرّي هلال رمضان غداً    أسماء مرشّحة للسقوط من قائمة بيتكوفيتش    الجزائر تُعبّر عن استغرابها ودهشتها    إيليزي: إجراء ما يزيد عن 300 فحص طبي وأكثر من 70 عملية جراحية    حكومة نواف سلام تنال ثقة مجلس النواب اللبناني ب 95 صوتا    يوم دراسي بالجزائر العاصمة حول التعاون الجزائري العماني في مجال المتاحف    تجهيز مشروعين سياحيَين    مخطط مروري جديد يخفّف الضغط عن قسنطينة    مشاريع تنموية هامة ببلدية زموري    تخصيص سفينة لشحن البضائع المصدّرة إلى موريتانيا    متقاعدو التعليم مهدَّدون بالطرد    مهمة صعبة ل"السياسي" أمام "العميد"    الجزائر تدعو إلى تحقيق دولي في جرائم الكيان الصهيوني بغزة    نودّع إماما مربّيا ومعلّما أفنى حياته في خدمة الدين والوطن    تعليق فوري للعلاقات مع مجلس الشيوخ الفرنسي    دعم التعاون الثنائي وتثمين الحركية الإيجابية    محطة لتوليد الكهرباء بالنيجر هبة من الجزائر    توقيع سبعة عقود محروقات مع شركات عالمية    أجال دفع تكلفة الحجّ تنتهي غدا الجمعة    21لوحة تبرز نقاط التقاطع والانجذاب    قمّتان في سطيف وتيزي وزو ومهمة صعبة للاتحاد بالبيّض    المنيعة..مشاريع تنموية جديدة لفائدة بلديتي المنيعة وحاسي القارة    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تعزيز العمل خلال شهر رمضان الكريم    تتويج الفائرين في الطبعة الرابعة للمسابقة الوطنية للصحافة البيئية    كيف تفوز الأسرة برمضان؟    هل يحطم مبابي أسطورة رونالدو في الريال؟    شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تنشر إمساكية رمضان    الشوق لرمضان    









أكَلتْه الكهول أو”الإسْلاميُّون بيْن عصْريْن”
تسابيح فجر
نشر في الفجر يوم 22 - 02 - 2012

يتَسارَع الزمان، حتى لكأنَّما يُريد أنْ يَنْفضَّ، أو يَنْفُضَ يديْه من غُبار الأيّام، فيُخيَّل للحيّ أنّ القُرون أصْبحت عُشْريّات، والعُشْريّات سنَة، والسّنة، بِضْع أيّام لا غير.
وفي تسارُع الزمن هذا، لم يَعُد معْيار الجِيل يحْمل نفْس الدلالة الزمنيّة السابقة، بل أصْبحت الأجْيال لا تفْصلها عن بعْضها بعْضا، إلاّ بضْع سنِين، حتى لا تَجِدُ أخًا ينْتمِي لجيل أخيه، بِفِعْل الفُرُوق السِيكولوجيّة المُكْتسبة لدى كلٍّ منْهما، والتي تُميِّز أحدهما عن الآخِر.
والباحِث عن أسْباب هذا التَّسارُع لن يعْدِم أكْثر من عِلَّة، فقد نُقِصَت الأرْض من أطْرافها، إذْ طُوِيَتْ المسافات طيًّا، وتَسارعتْ التِّكنولوجيا حتى أرْهقَت اللاَّهثين وراء خُطاها.
منذ عشرات السنين، كان هناك جيل سابق، ولِنُسَمِه جيل الأثِير، ثمّ بعد لأْيٍّ، تلاَه جيل التِّلْفاز، ثم ردْها آخر وَحَلَّ جيل الحاسوب، وتسارَع الزمن من حِينها حتى لم يَعُد بإمْكان الجيل السّابق أنْ يستوْعب مبْتكر، إلّا ويتَخطَّف الجيل لاحِقُه مبْتْكرا أحْدث.
وإذْ ذاك، حين نقْرأ قوْل الرسول صلى الله عليه وسلم “خيْر القرون قرْنِي، ثمّ الذي يَلِيه، ثمّ الذي يَلِيه”، نُدْرِك أنّ مُصْطلح الجيل، يجب أنْ يُفْهم بنِسْبيَّة الزمن، فإذا كان مفْهوم الجيل سابقا، قوم يلُمُّهم قرْن ينْقُص أو يزيد، فإنّ الجيل في العصر المُتسارع هذا، لا يكاد يلُمُّه عشْر سنين.
في ثمانينيات هذا الزمن، هل جيل يحْمل من الأفكار ما لم يكن أنذاك له مُسْتسْقى إلاّ الإسلام، وتلقَّف الشارع المُتعطِش آنذاك هذا الجيل بكثير من الإنْبهار، إنْبِهار الوالد الذي يَرى بِخِيلاء ابْنه وقد إسْتوى أوْكاد،على صراط مستقيم، قد لا يكون هو نفسه، لِظروفٍ إسْتوى عليه.
وسَرى أيّامها في أوْصال المجْتمع شيْء من عَبَق الماضي، وتعلَّقت الأعْيُن والآذان بِبِضْع كلمات كانت تخْرج حينها من أفواه أولئك الشباب على بساطتها كأنّها نور، ودَبّ في رُوح المجتمع وُجْد وأيُّ وُجْد.
أذْكر يومها أنّنا كنا نفْترش الأرْض فيُقال لنا “بُنِيَ الإسلام على خمْس..”، فنفْغُر فاهَنا شدَها بِرَوْعِ المقال، نتلقَّفه كأنّما هديّة من السماء، وكان لِحسْن النيّة في أولئك الفِتْيَّة الأثَر في رجوع كثير من الخلْق إلى الجادّة، وظُنَّ حينها أنّ الأمة مُقْدِمَة على خيْر، بل على ألْف خيْر.
ولما كانت السِّلْعة غاليّة والمُبْتغى رفيعا، فقد تمنّعت الغاية وأقْسمت أنْ لنْ تُؤْخَذ إلاّ بِحقّ، سُنّة تلك كانت وستَظلّ، من سُنَن الكوْن، فكانت المُنْعرجات التي سايَرَت أولئك الفِتْيَة إلى محطّة الكُهول .
واليوم بيْن ماضي الفَتى وحاضر كُهولَته، أيٍّ من أولئك وأولاء، يجِد شبَهًا بيْن الفتى ذاك والكهْل ذا، بل هل يستطيع الكهْل هذا، اليوم، أنْ ينْظر خلْفَه بلا إسْتحْياء ، فيَسْطع أنْ يُميِّز أيُّ الفتْيَان كان وأيُّ الكهول أضْحى.
هذا الحديث لا يتعلَّق البتّة بِفرْد بِعيْنه، ولا بِمِثال منْفرد في جماعة متَميِّزة، بل يتعلّق بظاهرة تكاد تكون ساحقة في بلدنا هذا على الأخصّ، وفي بلدان أخرى على العموم.
ليْس بمقْدور أيٍّ كان أنْ يُجادل في ظاهرة لا يُنكرها إلاّ جاهل أو مُتجنٍّ، ومظْهر ذلك أنْ شَتّان بيْن ماضٍ إشْرَأبَّت فيه أعْناق الرجال فيه لما يتَفوّه به أولائك الفِتْيَّة، وبين حاضر إذا تكلّم فيه كهل اليوم “فَتى الأمْس”، إستعاذ منه الجمْع وإنْفضُّوا مُوَلِّين.
وإذْ ذاك، ألاَ يكون من المُسْتساغ التَّساؤل عن مواطن الخطأ في تلك المسيرات، وما الذي إجتاح تلك الأفْئدة حتى تلوَّثت، فلم يعد يُميَّز الدَّاعي عن المدْعو سِوى شدْق اللِّسان.
لن يحتاج الأمر إلى كبير ذكاء، بل يكفي مُقارنة فتى الأمْس بِكهْل اليوم، ليُعْرف موْطن أو مواطن الخطأ، وأُولى مظاهر الفرْق بين الفتى والكهل، أو بين الرَّجل في الحاليْن، مسألة التَّجرُّد .
كان الفتى أيّامها، يهْفو إلى نشْر فكرته، لا يهمُّه على أيِّ المنابر وقَف ، ولا ما يعود عليه من مُتلقِّيها، بل لم يَكُن يهمُّه أصْلا أنْ سيكون لها الأثر، أمّا الفتى الكهل فلا يرْضى بِغيْر الكرْسيِّ الدَّوَّار منْبرا، وفي جلّ إنْ لم يكن كلّ حركاته، حساب فَيْء، وحساب مركز أوغنيمة .
كان ذَوَبان الفتى في الجماعة كَذوَبان الجماعة في الفتى، شيئان لا يكاد يفْهمهما إلاّ بَصير، ذلك أنّه لم يَكُ يهُمّ الفتى منْ يرْأس الجماعة، ولا الجماعة أيّ فرْد يرْأسها.
كانت الفكرة واضحة، دعْوة تهْفو إلى نفْع الغيْر لا غيْر، أخَذ بها من أخَذ ونبَذها من نبَذ، عنْها الفتى لا يَحِيد. أمّا الكهل، فالأمر سياسة، والسياسة تدْعو إلى التَّرْك والأخْذ، ترْكا يأخْذ كهَدف إكثار الأتْباع، وإنْ ظلّ كلّ منْهم على ما كان عليه إلى أنْ يَلْقى الله.
كان مِن الصّعْب على أيٍّ كان أنْ يَدَّعي الدعوة ،لأنّ الدّعْوة أو نَمَطِيّة الداعيّة كانت تقتضي أخْذا وترْك، تَسنِّي بأخلاق ومن أخْرى بَراء، وحين أصْبحت النمطية شُعورا في الفتى وسَوالِفا.
ولِحْيَّة وقصْر قميص، وتشدُّق لِسان لا غيْر، سَهُل الأمر على كلّ دخِيل ومُدّعِي، وكان ما كان.
خلاصة القول أنَّ ما حدَث، إنّما حدَث لِتعجُّل في قطْف الثِّمار طبَع صِفة الكهْل، تعجُّلا أخْرَجه باكرا من حقْل الدعوة البحْتة التي تهْدف إلى زرْع الخير وإكثار سواد الخيِّرين، إلى إكثار الأتْباع الشخْصيِّين، حتى أضْحى الأمْر ولا فرْق بيْن ما يُسمَّى إسْلاميّ وما لا يُسمّى، حتى لكأنّ عُمر الفاروق يقف بيْن ظهْرانيْنا يقول “كلُّكُم يمْشي رُوَيْدا، كلّكُم يَطْلب صيْدا، إلاَّ سعْدا بن عُبيْدا”، ونتَجرّأ فنَقول، سيُتْعِبُك البحْث بيْن ظهْرانيْنا يا عمر عن سعْد بن عُبيْد، لقَد أوْشك أنْ يُولَد منْذ رِدْه في فتْيانِنا، فأكلتْه الكُهول.
Kharchinoe@gmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.