عرفت المرأة الجزائرية عبر التاريخ بسيرة بطولية حافلة، سواء كإنسانة أو كحاكمة أو حتى كساحرة، عندما كانت عبارة السحر والكهنوت تعني العلم والحكمة والطب.. إلا أن الخائفين من تفرد المرأة، ما زال يتفنن في تسويد قدراتها ومكانتها.. فاعتبار المرأة ساحرة أو كاهنة، كان رمزا معبرا عن كونها عالمة بخبايا الأمور ومتمتعة بقدرة خارقة في الصمود وبعد النظر، الأمر الذي جعلها تحظى بالتشريف والتقدير في مجتمعها آنذاك، حيث كانت هي الوحيدة التي تعرف اسم الله، مثلما كانت رمزا للحب والحياة والخصوبة والبسالة والقتال.. قدست وألهت لزمان طويل. والمجال هنا لا يتسع للتفاصيل، وما استحضرناه كان فقط من باب الاستئناس، أما الموضوع الذي يطرح نفسه علينا بإلحاح وبكثير من الخطورة فهو وضعية المرأة الاجتماعية ومعرفتها بثقافتها الأصلية، ضمن إطار مكانتها التاريخية، وضمن مقومات تواجدها في الواقع الاجتماعي الحالي، ذلك الواقع الذي يصنف كوضعية مأساوية دون أدنى مبالغة سواء كانت امرأة منتجة للثقافة أو كانت موضوعا سوسيو-ثقافي، أو حتى مفهوما إنسانيا. مع الأسف، هذا الواقع هو ما عكسته اتصالات التهنئة الكثيرة وصلتني في هذه الأيام من كثير من الرجال، زملاء إعلاميين وسياسيين وحتى من بعض المواطنين ومن القراء.. كل وجهها لي حسب قناعاته الذاتية إزاء المرأة وإزاء عملية دمجها في الحياة المجتمعية، وبالأخص مشاركتها في الاستشارة السياسية الأخيرة، فمثلما وصلتني تهان حقيقية تؤمن بنتائج انتخابات 10 ماي، مثلما وصلتني تهان تهكمية، وأخرى تائهة مغلفة بتعابير الحسرة والتشاؤم.. هنئت، حسب قولهم، لأنني المناضلة المثابرة في مجال حقوق المرأة، التي دافعت كثيرا عن وجوب كوطة المرأة في المجالس المنتخبة، فكتب أحدهم عبر "الأساماس" يقول: (صحة عيدكم)، وهاتفني أحدهم بقوله: "هل أنت فرحانة؟" في حين راسلني آخر عبر الفايسبوك، وهو يتساءل إن كنت راضية عن "نوعية النساء المنتخبات وفيهن نسبة كبيرة من العازبات"، وناقشني أحدهم في "قلة خبرتهن النضالية وضعف قدرتهن السياسية"، في حين جاملني أحدهم (لو كن مناضلات متمكنات مثلي لما طرح الموضوع بتاتا). ملاحظات تفهمتها، لكني لم أتقبلها، لأنها جاءت، في غالبيتها، من أناس يدّعون الثقافة والديمقراطية، وكأن المرأة لم تثبت نفسها ثقافيا، بدليل الأرقام التي تفيد بتفوقها عن الذكور في المعاهد العلمية والتعليمية، أو كأن الديموقراطية حكر على الرجال، وإلا كانت ستتخلى تماما عن مفهومها الأساسي الذي بنيت من أجله، أو كأن المرأة هي المسؤولة عن الفساد في المجتمع، انطلاقا من محاولة ربطها بقضايا الجنس والفسق كلما جاءت فرصة دمجها في مسار المجتمع التنموي، فهل ثبت وأن فسقت المرأة دون رجل..؟ وإلا ما معنى أنهن عازبات، ألا يوجد من المنتخبين الرجال من هم عزاب..؟ لكن الأمر الذي حز في نفسي أكثر، هو ما رددته بعض النساء، خاصة من هن قياديات حزبيات بقولهن: "إن أكثر من 90 بالمائة من السيدات الموجودات في القوائم الانتخابية لا يتوفرن على المستوى الذي يؤهلهن للذهاب إلى المؤسسة التشريعية، فهن لا يتوفرن على المؤهلات العلمية ولا على التكوين السياسي، لقد تجاهلت كل الأحزاب بلا استثناء أثناء وضع القوائم الانتخابية، المرأة المناضلة والسياسية، وتم اختيار المرشحات على أساس الولاء وليس الكفاءة والمستوى''، وكأن الرجال اختيروا بعكس ذلك أو أنهم يتمتعون بالعلم والكفاءة. ومثلما يئست من تفاهات الرجال "المثقفين"، تقززت من بيانات النساء "المناضلات"، فأنا لم أفهم كيفية تعاطيهن مع الموضوع، إذ مهما كانت نواياهن الحسنة، فإنهن قد أسأن لصورة المرأة ولمطالب المواطنة الحقيقية في مجال ترقية النساء.. ففي الوقت الذي تقوم فيه ناشطات من نساء المجتمع المدني بالنضال من أجل حقوق المرأة، وبمساءلة الإدارة والأحزاب عن خرق المادة 31 مكرر، تلك المادة التي فرضت على الأحزاب ترشيح النساء ضمن القوائم الانتخابية، ونصت على فوز السيدة الأقرب ترتيبا ضمن القوائم الفائزة، متهمات الإدارة بخرق وتجاهل القانون في أكثر من 90 بالمائة من الحالات، نجد الحزبيات يشهرن بالمنتخبات.. "لقد تم اختيار الفائزات في البرلمان على أساس عدد المقاعد التي فازت بها كل قائمة لصالح قوائم انتخابية ولم تحصل على عدد الأصوات التي تسمح لها بمقعد برلماني.." تقول ناشطات الجمعيات النسائية والحقوقية، وبذلك يثبتن مرة أخرى، أنهن القادرات على النضال الواقفات دائما في الواجهة ووراء كل المكاسب القانونية التي شملت مطالب النساء، وهن وحدهن من يستطعن التنديد بخرق القوانين، بينما أثبتت مناضلات الأحزاب المبعدات من القوائم الانتخابية قدرتهن فقط على التشكيك في قدرات النساء وفي إمكاناتهن.. وهن بذلك يضفن إلى بعض وسائل الإعلام الوطنية التي فاقت الصحافة الدولية في التشهير بالنساء، إذ لم يكفها تناول تشريعيات 10 ماي، وكأنها من تنظيم دولة استعمارية وليست دولة وطنية، لتفاجئنا بالإساءة الصريحة لصورة المرأة الجزائرية، مرة بالتهكم والتهجم وأخرى بالتشكيك في عفتها وقدرتها وثقافتها وعلمها، وكأن الرجال عندنا أنبياء، وكأن رؤساء الأحزاب المشرفين على اختيار كل القوائم الرجالية منها والنسائية، يقنعون العقل و"يعمروا العين" مثلما يقول المثل الشعبي الجزائري.. بحيث تصدق مقولة "الغيرة تهدر"، ولله في خلقه شؤون..؟