تم في الآونة الأخيرة الإعلان النهائي عن نتائج الأعمال السينمائية التي ستحتفي بخمسينية الاستقلال الجزائري سينمائيا، لكن الغائب الأكبر في هذه المشاريع كان المرأة الجزائرية التي لم يخصص لها سوى عمل سينمائي واحد يرصد بطولاتها ونضالاتها إلى جانب شقيقها الرجل. أردنا الاستفسار عن أسباب تهميش دور المرأة في السينما الجزائرية بشكل عام وفي مشاريع الخمسينية بشكل خاص، فجمعنا هذه الآراء. عبرت بعض الفاعلات السينمائيات الناقمات عن نتائج لجنة القراءة عن استياءهن من ممارسات وزارتي الثقافة والمجاهدين اللتين تعاملتا بتهاون ولا مسؤولية مع الأعمال السينمائية المقترحة للاحتفال بخمسينية الاستقلال، كما اتهمن إدارة التلفزيون الجزائري بغلق الأبواب في وجه المشاريع السينمائية الهادفة. باية هاشمي: ”السينما همشت المرأة والتلفزيون أوصد الأبواب في وجه الأعمال الهادفة” المخرجة باية الهاشمي قدمت في إطار هذه المناسبة مشروعا خاصا بإسهام المرأة الجزائرية في النضال من أجل الاستقلال والعمل مقتبس من كتاب ”لونجة والغول” للوزيرة السابقة والأديبة زهور ونيسي، الذي يحكي قصة امرأة وعائلة بأكملها تعايش مراحل الثورة التحريرية وصولا إلى الاستقلال، وهو عمل يرمي إلى إبراز بطولات نساء الجزائر التي لا تعد ولا تحصى ومعاناتهم إبان الثورة التحريرية، خاصة وأن إسهامات المرأة الجزائرية لم تكن حكرا على المثقفة دون سواها، غير أنها وكما قالت لم تتلق أي رد من طرف الوزارة، مشيرة إلى غياب أعمال خاصة بالمرأة ضمن قائمة المشاريع التي تمت الموافقة عليها ماعدا فيلم وثائقي واحد، ناهيك عن الضجة التي صاحبت الإعلان عن المشاريع التي اجتازت امتحان الترشح للاحتفال بخمسينية الجزائر. من جهة أخرى؛ طرحت باية هاشمي مسلسلت تلفزيونيت عنوانه ”نساء ومكاتيب” يتطرق في جانبه الأكبر إلى معاناة نساء الجزائر إبان الثورة التحريرية، والعمل مبني على وقائع تاريخية حقيقية بشعة، دارت أحداثها في دشرة من مداشر الجزائر، حيث تعدى العساكر الفرنسيون على سكانها وذبحوا طفلة حديثة الولادة وهي مجزرة سقط فيها 50 شخصا. وللأسف كما قالت المخرجة فإن نص العمل الذي قُبل من طرف لجنة القراءة لا يزال يقبع في رفوف الإدارة العامة للتلفزيون الجزائري، دون أدنى تقدير للجهود التي بذلتها للإحاطة بكل جوانب العمل من استشارة باحثين في التاريخ، شهود عيان عاشوا الحادثة، وتنقلها إلى عين المكان للتعمق أكثر في بحثها السينمائي، لكن كل ذلك لم يشفع لها أمام التلفزيون الجزائري الذي منحته، كما قالت، العديد من الأعمال، لكنه يجازيها في السنوات الأخيرة بغلق الأبواب في وجهها، وهي معاناة تتقاسمها، حسبها، مع العديد من المخرجين الجزائريين ليبقى السؤال يطح نفسه. وعن عدم منح المرأة الجزائرية مساحة كبيرة في السينما الجزائرية، قالت محدثتنا أن هذا السؤال يجب أن يطرح على وزارتي الثقافة والمجاهدين، لأنهما المعنيتان بتحديد الأعمال السينمائية المترجمة لاهتمامات المشاهد الجزائري. أمينة دباش: ”الأفلام ربطت دور المرأة بالصراخ والعويل” من جهتها، أيدت المخرجة أمينة دباش هذا التغييب غير المبرر لرمز البطولة عند المرأة الجزائرية في السينما، مرجعة السبب إلى المساحة الهامشية التي تمنح للمرأة في مجتمع اعتاد على تمجيد الرجل دون سواه، ولم تنف المتحدثة إسهام نساء الجزائر في النضال الجزائري بالطريقة الحقيقية وبكل ما ملكت من إمكانيات، فكانت الزوجة المربية في غياب صاحب المنزل الذي خرج للنضال، وكانت الممرضة والمسبلة وشاركت حتى في شبكات الربط بين الثوار الجزائريين وغيرها من الأدوار التي لا تعد ولا تحصى. وعلى الرغم من ذلك، كما أضافت دباش، لم يوف الفن السابع في الجزائر صانعات بطولات الجزائر من الجنس اللطيف حقهن، وارتبط دور المرأة في الأفلام السينمائية بالصراخ والعويل، لأن دور المرأة الجزائرية، حسب السينمائيين، لا يتعدى تلك الأم التي تبكي ولدها المجاهد، أو الزوجة التي تفتقد زوجها الذي صعد إلى الجبل وتبكي الوحدة التي تعيشها مع أولادها في مواجهة قسوة الحياة الاستعمارية، وهو الشائع في مجتمعنا. كما قالت المخرجة: ”تعودت المرأة الجزائرية على تقديم خدمات دون مقابل أو بالأحرى اليد يعمل والفم ساكت”. والسينما الجزائرية حسب دباش لا تزال تعيش سباتا عميقا تراكمت أسبابه وتعددت أشكاله، ولا يمكن التفكير في أن تستفيق منه ببساطة، وقالت: ”الجزائر لديها أفلام وليس لديها سينما بأتم معنى الكلمة”، لكنها بالمقابل، كما أضافت، تملك قدرات إخراجية وطاقات إبداعية هائلة، وإذا ما توفرت لها ظروف العمل السليم والإيجابي ستصنع السينما الحقيقية في الجزائر، لأن الكتابات والنصوص متوفرة وكذلك الشهادات الحية والمكبوتة، وبخصوص هذه الأخيرة أصرت محدثتنا على ضرورة الاستثمار في هذه الشهادات وتفجيرها لكسر الحواجز، وكسر هذا السكوت أو بالأحرى المسكوت عنه، خاصة وأن هذه الشهادات تغادرنا يوما بعد آخر برحيل حامليها الذين يرحلون عنا واحدا تلو الآخر ويغيبهم الموت بين الفينة والأخرى عن يومياتنا. فاطمة الزهراء زعموم: ”تهميش المرأة في السينما سببه الذوق العام الذكوري” في الوقت الذي اعترف التاريخ بدور المرأة الجزائرية التي كتبت فيه فصلا هاما من فصول الثورة الجزائرية، فإن المخرجة فاطمة الزهراء زعموم ترى بأن تهميش المرأة إشكالية عالمية، ووصفت ذلك بالتخلف العقلي للمجتمعات بشكل عام، وهو ما دفع بالمشاهد الجزائري كما قالت إلى عدم تقبل تتبع فيلم كامل تكون فيه المرأة بطلة القصة وتصنع التميز، لأنه اعتاد على دور الرجل الريادي الذي يطغى على مساهمة المرأة ويطمس نضالها وتضحياتها. وذهبت زعموم إلى تبرير هذا التهميش بإرجاع الأمر إلى السياسة العامة من الحكومة إلى التلفزيون، وثقافة المجتمع بشكل عام، واصفة ذلك بالواقع المر، وتأسفت على حد قولها لهذا التجاهل القاتل لإسهامات المرأة التي لم تصنع منها بطلة مطلقة في الأعمال السينمائية الجزائرية، لأن الذوق العام رجالي، وهو ما يفسر عدم اهتمام المجتمع الجزائري بالجماليات، وأي محاولة للخروج عن المألوف يتطلب جهودا أكبر لأنه من الصعب على حد قولها تغيير ذهنيات الناس بين عشية وضحاها. واقترحت محدثتنا أن تتضافر الجهود والعمل المشترك بين المجتمع، القارئ، السينمائي لتقديم مشاريع سينمائية تمجد أدوار المرأة البطولية وتمنحها المكانة التي تستحقها كشريك فعال في النضال الجزائري، على أن يكون هذا المشروع كما قالت مبنيا على اتفاق عُرفي بين المجتمع الرجالي والسينما الجزائرية. قد تتعدد تبريرات المهتمين بقطاع السينما المقصرة في إبراز دور حرائر الجزائر إبان الثورة الجزائرية ونضالهن من أجل الاستقلال، غير أن ذلك لا يبرر تجاهل الفن السابع لبطولاتهن ليس فقط ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، لأن البطولة لا ترتبط بالمناسبات، لكنهن جديرات بالالتفات بعد نصف عقد من الحرية.