أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما قوله ص: “البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما”. ومقام الصدّيقين مقام رفيع، ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله تعالى ميسور لمن أراده، وبدايته الصدق وتحري الصدق في البيع والشراء، وكل شؤون الحياة. وقد ذكرت كتب السير نماذج رائعة للتجار الذين صدقوا في بيعهم، ولم يغشوا أحداً من عامة الناس أو خاصتهم، ومن ذلك ما قاله النضر بن شميل: غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة، وكان يونس بن عبيد خرازاً فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعاً بثلاثين ألفاً، فلما كان بعد ذلك قال لصاحبه هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا؟ قال: لا ولو علمت لم أبع قال: هلمَّ إليَّ مالي وخذ مالك فرد عليه الثلاثين ألفاً. وعبدالله بن المبارك تاجر صدوق قال عنه عبدالرحمن بن مهدي: ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك. فإذا كان ابن المبارك أنصح الناس للأمة فما ظنك بصدقه في تجارته، وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم، فكانوا يرحمهم الله يتعاملون بصدق، وينفقون بسخاء على فقراء المسلمين.