شدتني جملة كرّرها كثيرون في تأبين الفنان الكبير الراحل محمد بوليفة، الذي غادر عالمنا قبل أسبوع، تاركا فراغا كبيرا عزّ ملؤه، حيث أكد أصدقاؤه المقربون أنه كان قريبا جدا من الأدب وأهله، وهو ما يؤكده صديقه المفجوع في رحيله الشاعر سليمان جوادي، ابن بلدته جامعة بالوادي ورفيق دربه الذي يشهد له بصلته المتينة مع أغلب كتاب جيله. كما يذكر الحاج سليمان، سياقا، في إحدى جلساتي معه؛ أن أغلب دواوينه الأولى خطّها وصمم أغلفتها فنانون معروفون على غرار الفنان الكبير الطاهر ومان أو الفنان أحمد فريد الأطرش. وبذلك يشهد الشاعر سليمان على جيل كانت فيه أواصر الصداقة والتواصل تربط بين الكتاب والفنانين على اختلاف مذاهبهم واختلاف مبادئهم، سواء كان إبداعهم بريشة الرسم أو بريشة آلة العود. وهو الأمر الذي يفتقده الجيل الجديد من المبدعين الكتاب أو الموسيقيين أو الفنانين التشكيليين وحتى مبدعي الشاشة والخشبة. وقد لا ينكر متتبع للشأن الثقافي في الجزائر أن هناك شرخا كبيرا في جدار البيت الثقافي الجزائري الذي لا يعرف سكان غرفة فيه ما يجري في الغرفة المجاورة، ولا يلتقي الجار الكاتب حتى مع جاره الموسيقي أو السينمائي. وهو ما أسس، للأسف، لعقلية اللاانتماء، التي ساهمت في تسطيح العمل الإبداعي ومحاربة فكرة المشاركة التي طالما منحت للمتلقي أعمالا فنية خالدة، تشارك في إبداعها أهل البيت الثقافي جميعهم بلا إقصاء أو نكران. فلولا اقتراب عود محمد بوليفة من شعر سليمان جوادي ما استمتعنا ب"ما قيمة الدنيا" ولولا اقتراب آلة تصوير المخرج الكبير مصطفى العقّاد من موسيقى المايسترو موريس جار، ما خرج فيلم "الرسالة" بذلك الألق، ولولا لغة شكسبير الراقية ما تألق ألباتشينو في "تاجر البندقية"... هي توليفة إبداعية جميلة أدركها الفنان الراحل محمد بوليفة والشاعر المحبّ سليمان جوادي وجيلهما الجميل، وأنكرها مبدعو الجيل الجديد، الذين لا يخجل بعضهم من التصريح بملء الأشداق، بأن "هذا العمل الفني من شعري، تلحيني وأدائي".!