كلما زار مسؤول فرنسي الجزائر، كلما زاد موقف الجزائر من القضايا التي تعني الطرفين غموضا؟! هذا ما خلفته أمس زيارة وزير الداخلية الفرنسي، مانوال فالس، الذي حل بالجزائر غداة تبني مجلس الأمن اللائحة الأممية "2071" التي تمهل دول منطقة الساحل وإفريقيا 45 يوما قبل تدخل عسكري في شمال مالي، القرار الذي جاء بناء على خريطة طريقة قدمتها فرنسا إلى المجلس. مانوال فالس قال إن للجزائر وفرنسا وجهتي نظر متطابقتين حول الساحل ومالي، وهو ما لم نلمسه سابقا في كل التصريحات الرسمية الجزائرية، التي كانت تحذر من خطورة أي تدخل عسكري في مالي مستدلة بما حدث في ليبيا حيث تسبب التدخل في تسريب السلاح ووقوعه بأيدي الجماعات الإرهابية. ولا أدري لماذا لم يكلف الطرف الجزائري نفسه عناء شرح موقف الجزائر من اللائحة الأممية، ولماذا بصمت الجزائر بالعشرة على هكذا قرار، وهي تقبل بتدخل عسكري، مكتفية بالقول إن القرار استند إلى الكثير من النقاط المقدمة في المقترح الجزائري؟! وهل الجزائر قبلت بالتدخل العسكري في مالي الذي طالما رفضته لأسباب موضوعية، تحت ضغط فرنسي، الشيء الذي جعل فالس يدلي بهكذا تصريحات؟! لا سيما وأن المقترح دافع عنه الرئيس الفرنسي بشراسة ذكرتنا بموقف سلفه ساركوزي من الأحداث الليبية، مع أن الرجل كان ينتقد سياسة ساركوزي من التدخل في ليبيا، فإذا به يبدي هذه الشراسة تجاه الجماعات الإرهابية التي لا تقل عن شراسة ساركوزي!؟ صحيح أن الوضع في الساحل خطير، وأن لا حوار ممكن مع الجماعات الإرهابية التي استغلت هشاشة الوضع في مالي بعد انقلاب مارس الماضي، إثر إعلان الأزواد انفصالهم عن دولة مالي قبل أن يتراجعوا عن هذا الانفصال. وتمسك الجزائر بالحوار وحده، أمر يبدو عديم الجدوى، لأن تجربتنا الوطنية مع الجماعات الإرهابية خير دليل على أن هؤلاء لا يفهمون إلا لغة الرشاش، ناهيك عن أن الجماعات الإرهابية سواء كانت تسميتها "القاعدة" أو "الموجاو" كسبت إلى جانبها عصابات التهريب والجريمة المنظمة التي كثيرا ما كانت تلقي القبض على الأجانب ثم تسلمهم إلى تلك الجماعات الإرهابية مقابل أموال، وتعود هذه الأخيرة لتساوم بهم بلدانهم مقابل فدى تعد بالملايير؟! لا أحد يضمن نهاية الحرب التي سيقودها مجلس الأمن على الجماعات الإرهابية شمال مالي، وقد يجبر التدخل العسكري هذه الجماعات على اللجوء إلى جهات أخرى، مثلما حدث مع القاعدة عندما استهدفها السلاح الأمريكي فانتشرت من السودان إلى شمال إفريقيا والعراق مرورا بأوروبا وغيرها حيث زرعت الرعب والمجازر؟! فهل نحن بمنأى عن هذه المخاطر اليوم، وهل فرنسا ضمنت نسبة نجاح هذه العملية التي ستقودها، طبعا بعيدا عن ترابها ولا تشكل خطرا على شعبها ومصالحها؟! الخطر كل الخطر يهدد الجزائر أكثر من غيرها، خاصة وأن لها مع الجماعات الإرهابية حربا لم تحسم بعد؟!