"أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه".. مثل عربي قديم، تعود خلفياته إلى عهد أحد الخلفاء (ولست في مقام أن أتذكر ما اسمه) عاش في زمنه رجل يلقب بالمعيدي. كان هذا الرجل ذا صيت كريم، بفضل مكارم أخلاقه وحكمته، فاشتهر بين الناس حتى أرسل الخليفه في طلبه كي يراه، ويرى إن كان كما يقول الناس عنه فيدنيه من مجلسه وحاشيته، لكن عندما دخل المعيدي على الخليفة استهجن خلقته ونفر منه قائلا: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، فسار هذا المثل مضربا إلى هذا الزمن. استحضرت هذا المثل، ليس في سياق المطابقة بين الشكل والمضمون، مثلما فعل الخليفة وإنما من باب المقارنة بين مضمون ومضمون. وأعني بذلك المقارنة بين مضمون المادة الأدبية والإبداعية التي تقدمها بعض الأسماء الأدبية الجزائرية الطاعنة في النشر أو حتى التي بدأت تشق طريقها في عالم الشهرة الأدبية. وبين مضمون شخصيات تلك الأسماء وطباعها التي تجعل من الوجوب على محبّي إنتاجها الأدبي أن لا يحرصوا على مقابلتها إن كانوا يودون الاستمرار في الاستمتاع بجمال إبداعاتها. ولست أدري كيف يجمع الله داخل جسد واحد؛ بين القدرة على خلق الجمال والقدرة على تسويق السوء والعداوة، في آن واحد. شخصيا؛ رغم احترامي لكثير من روايات الكاتب رشيد بوجدرة مثلا، لم أستسغ يوما طباعه وقدرته على احتوائك بطاقة سلبية تجعلك تلعن اليوم الذي قابلته فيه. وعلى غراره استطاعت الروائية أحلام مستغانمي أن تكسب بسهولة كبيرة، تحفّظي تجاه مزاجها المتقلّب، منذ لقاءاتي الأولى بها. وكنت أحاول قدر المستطاع الفصل بين ما "كانت" تنتجه من جمال أدبي وبين ما تفرزه من سوء تواصل. ومثل ذلك دأب الكثير من الكتاب الجزائريين على خلق عداوات مجانية بينهم وبين قرّائهم. وللأسف استطاعت بعض الأسماء من الجيل الجديد من الكتاب أن تطوّر تلك القدرة التي أبدعها السابقون في إنتاج الجمال بالقلم من جهة وإنتاج السوء باللسان والطباع من جهة أخرى، إلى درجة أنه بات لزاما على الكثير منهم أن يكلفوا كتاباتهم الأدبية على الحديث والتصرف نيابة عنهم وأن لا يعملوا على الاقتراب الجسدي من قرّائهم حفاظا على الصورة الطيبة التي استطاع أدبهم أن يوصلها إلى المتلقّي. من منطلق أن "تقرأ لفلان خير من أن تقابله".