عدوى التلذذ بتعذيب وقتل "البيكو" "لم أكتشف الشر بل وجدتني أسبح فيه كلود جوان دكتور في علم الإجتماع، نشر أخيرا ملخصا عن أطروحته بعنوان: "جنود جلادون"(*). قضى الكاتب سنة بالجزائر (1957 - 1958) كمجند في إطار الخدمة الإجبارية. عاش جزءا منها بمزرعة "مول" بضواحي يسر (بومرداس) التي مالبث أن اكتشف أنها وكر مريع للتعذيب والقتل بلا قانون، وفوجئ أكثر بمشاركة بعض رفاقه من المجندين في هذا المناكر، بعد أن أصابتهم "عدوى التلذذ بالتعذيب والقتل".. يقول عن هذا المفاجأة: "لقد وجد بعض رفاقي أنفسهم يسبحون في طوفان من العنف، لم أعد أعرفهم. لقد تحولوا فجأة إلى نوع آخر من البشر"!. بحث الكاتب هذه الظاهرة معتمدا على شهادات شباب مجند أول مرة، أو أعيد استدعاءه كاحتياطي.. شهادات سجلها شخصيا، أو سبق أن نشرها أصحابها. ترى ما كانت نتيجة هذا البحث؟. يقول الكاتب أن المدرسة والمحيط الثقافي (بفرنسا) يكون أفكارا مسبقة ثقيلة ضد العربي، ومن الصعب أن يتخلص المجند الشاب من هذه الثقافة الإستعمارية". طبعا مثل هذه الجاهزية العنصرية لا يمكن ألا أن تزداد حدة، بالإكتكاك مع مجتمع المستوطنين الذي يعتبر العنصرية من أهم عوامل وجوده المتميز في الجزائرالمحتلة. يأتي الشاب المجند الجزائر، يحمل في ذهنه صورة "البيكو" الذي يرضى (في فرنسا) بالعمل الموسمي الزهيد والأجر المتحفض". وعندما يكتشف ظاهرة "الڤوربي" في الجزائر، يتضاعف ميله لاحتقار هذا "البيكو". وصل المجند كلود جوان الجزائر في أواخر مايو 1957، وبعد نحو شهر سجل في يومياته ما سمع من مستوطن ناحية يسر: "إذا لم نفرض خوفنا، سيطلقون (الجزائريون) النار علينا. وأحسن ما نفعل أن نقتلهم جميعا"!. وبمناسبة عيد 14 يوليو لنفس السنة، سجل ما سمع من مستوطن آخر من برج منايل: "عليك أن تضرب هؤلاء الأهالي كي يعملوا! فالعصا نافعة لهم!" وفي 27 أوت الموالي سجل عن ملازم أول بوحدته (الفصيلة 3) المرابطة بمزرعة المستوطن "حول": " أترك ضميرك جانبا تجاه العربي، فهو لا يفكر، فإذا احترمته اعتبر ذلك ضعفا. لذا أفضل أن اعتبر قويا".. ونقل عن شاب مجند مثله في إحدى رسائله قوله: "جميع البونيول الذين يتسترون على الفلاڤة هم شركاؤهم". ومجرمون مثلهم، فكلما قتلنا منهم كان أفيد، لأن في ذلك تقليصا من عدد الفلاڤة"!. يمثل هذه الأفكار والمواقف تزرع هواية التلذذ بقتل "البيكو" في المجندين الشباب، وبناء على سيادة ذهنية القطيع- في الجيوش وغيرها- فلا ينجو من هذا اللقاح اللعين إلا القليل القليل. وإذا كانت هذه حال الهواة من المجندين، فماذا يمكن أن نقول عن القتلة المحترفين من رجال المظلات واللفيف الأجنبي؟! (*) صدر السنة الجارية عن دار روبار لافون، باريس. "وصلتُ الجزائر غداة مجزرة "ارويسو" حلّ ضابط الصف كلود جوان بالجزائر في 22 مايو 1957، ضمن وحدة للدفاع الجوي، اتخذت من الثنية مركزا لقيادتها.. وقد استقر عقب ذلك مع فصيلته في مزرعة المستوطن "مول". صادف وصوله إلى الجزائر عدد من الأحداث يذكر منها: - سقوط حكومة غي مولي، - صدور حكم الإعدام من محكمة وهران العسكرية على بركة ڤدوية، ومن محكمة قسنطينة على علاوة سعيود وحسين شواف. -خبر في صحيفة مسائية يفيد بأن الحظليين بحي "أريسو" أطلقوا النار على المواطنين - بعد عملية فدائية - ما أدى إلى مقتل 30 مسلما... وتضيف الصحيفة أن الملازم الأول المسؤول عن وحدة المظليين، عوقب بحبسه 60 يوما". الواقع أن ضحايا هذه العملية الإجرامية يناهز ال 80.. ويسمى الشارع الذي حدثت فيه منذ الاستقلال "شارع المعدومين". حصيلة مزارع "حول إختفاء 2000 عربي" خلال بضعة أشهر! نزل ضابط الصف كلود جوان مع فصيلته في 24 مايو 1957، بمزرعة "مول" في ضواحي بلدة يسر (بومرداس)، وبعد أيام قليلة، اكتشف أنها وكر رهيب للتعذيب والقتل بلا حساب. في هذا الوكر لاحظ كيف تحول صديقه برنار "من مزارع وديع إلى سفاح وجلاد، يتلذذ بضرب "البونيول" الذين يصادفهم في طريقة". ويشهد على الجرائم التي ترتكب في المزرعة بقوله: "نعتقل عربا لأسباب مختلفة، بسيطة في الغالب، وفي الليلة التالية يخضعون للتعذيب، قبل الإجهاز عليهم بطرق شنيعة". ويصف هذه الجريمة الموصوفة بأنها "مجزرة مدروسة، منظمة نمطية، تتم في الخفاء بواسطة عمل تضليلي رهيب جنوني، تصيبنا بالذهول". ويحاول تفسير نزعة العنف المجاني هذا لدى جنود وحدته "بعداوة المحيط الطبيعي والبشري". ويؤكد في هذا الصدد بأن "جميع سكان الثنية وسي مصطفى كانوا ضدنا؟؟. ويسجل حصيلة هذا العنف الهستيري لوحدته بالناحية، كماجاءت في تقرير بتاريخ 14 نوفمبر 1957: اختفاء 2000 عربي خلال 6 أشهر.. ويشرح ذلك قائلا: "أي منذ وصول وحدتنا إلى مزرعة "مول" ويضيف تأكيدا لذلك: "أن أحد قتلة المزرعة لم يستبعد صحة هذه الحصيلة، معترفا بأنه شارك شخصيا بقتل 8 أو 10، بينما قتل زميله 16 أو18!". للتذكير أن المزارع التي تحولت إلى أوكار للتعذيب والقتل تعد بالآلاف. ومن هذه المزارع ما كان ملكا للجزائريين. تجاوزات حرب شاملة غير معلنة يتحدث كلود جوان في كتابه "جنود جلادون"، عن كذب وعنف الدولة الفرنسية طوال حرب الجزائر، لقد شنت الدولة الإستعمارية حربا شاملة على الشعب الجزائري، من فاتح نوفمبر 1954 إلى 19 مارس 1962، لكنها مع ذلك رفضت الإعتراف بحالة الحرب في الجزائر. ولم تعترف بذلك إلا بعد نحو 45 سنة، بموجب قانون 18 يونيو 1999 الصادر في عهد الرئيس جاك شيراك! فبفضل هذا القانون تحولت "العمليات الجارية بإفريقيا الشمالية" و"أحداث الجزائر"، إلى "حرب الجزائر ومعارك إفريقيا الشمالية"!. وشن حرب شاملة بدون الإعلان عنها، يعني باختصار التحلل من القوانين والأعراف التي تحكم الأعمال الحربية، بمختلف أنواعها ومظاهرها.. أي فتح الباب على مصراعيه، أمام ما يخطر وما لا يخطر على بال من التجاوزات. من عوامل هذه التجاوزات نذكر مع الكاتب: 1 - تعمد الخلط بين الثائر حامل السلاح، والمشبوه الذي يمكن أن يكون أي جزائري! ويعني ذلك عمليا اعتبار غالبية الشعب الجزائري متواطئة مع جبهة وجيش التحرير، شريكة لهما بكيفية أو بأخرى، عكس دعابة المكتب الخامس وإدارة الإحتلال عامة التي كانت تزعم حياد هذه الأغلبية أو أن قيادها لجبهة التحرير، بالترهيب والقهر المسلط عليها!. -2 إقحام الجيش في المسائل الأمنية التي هي من اختصاص مصالح الأمن المختلفة. ويذكر الكاتب في هذا الصدد تصريحا لضابط شرطة سابق جاء فيه: "أن منح الجيش صلاحيات الشرطة فظاعة قضائية، بل ضرب من العبث وخلط خطير بين المهام؟؟. -3 أوهام "الحسم العسكري" لمشكلة سياسية أصلا. يذكرنا الكاتب بهذه الأوهام بنقل رسالة للوزير المقيم روبار لاكوست بعث بها في 30 نوفمبر 1956 إلى الضباط العاملين بالجزائر يقول فيها: "إن المرحلة العسكرية من مهمتكم في الجزائر قد انتهت"!. وكانت لاكوست قد أطلق في نفس الفترة أكذوبة "أن التمرد يعيش ربع ساعته الأخيرة"! مثل هذه الأوهام الرسمية - التي تأصلت للأسف سنوات أخرى - كانت في تناقض سافر مع مشاعر الواعين المسيسين من شباب الخدمة الإجبارية. وينقل لنا الكاتب شواهد على ذلك منها: فتول المجند بيار نوور وقد صدم بحال الشعب الجزائري في الأرياف: "لما رأيت حالة سكان البوادي.. أردكت عبق مسعانا".. قال نوور ذلك سنة 1956. تقرير للمخابرات العسكرية بتاريخ 25 فبراير 1958، حول معنويات المجندين العائدين من الجزائر، وقد جاء فيه: "يتساءل الكثير منهم كيف أننا لم نستطع القضاء على عصابات الفلاڤة في البداية عندما كانت سيئة التنظيم والتسليح، ونحاول ذلك الآن وقد أصبحت تملك أسلحة عصرية؟!". ومعنى ذلك أن الجد في الميدان أدركوا بسرعة عبث الحرب واستحالة الحسم العسكري عكس بعض الساسة وكبار الضباط المجرمين أمثال لا كوست وصلان وشال... إلخ. أوهام الحسم العسكري ومناكره لماذا فضلت فرنسا الحرب غداة إعلان ثورةالتحرير قبل 58 سنة، وهي تعرف تماما بأن الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري تساند الاستقلال، وتسير في ركاب حزب الشعب - حركة الإنتصار؟. يفسر الأستاذ كلود جوان هذا الإختيار العبثي "بعنف نظام الإحتلال نفسه، ومبادئه المبررة للهيمنة العنصرية"... وفي تحقيق لمكتب خاص (جيروجاب) مع مجندين شباب مسرحين من حرب الجزائر سنة 1959 ما يؤكد ثنائية العنف والعنصرية في الحرب الإستعمارية، فالكثير من هؤلاء الشباب يعترفون بأنهم كانوا "يعتبرون العرب كائنات دونية"... لا حرج في اللجوء معهم إلى الإستباحة الشاملة: أرواحا وأعراضا وأموالا.. ويصفون الحرب التي عاشوها بالجزائر بأنها كانت "مرادفة للتقتيل والتعذيب والإغتصاب والنهب" بل كانت " كابوسا رهيبا"... ويصف الكاتب "عملية التهدئة".. التي جيء بالمجندين الشباب من أمثاله للمشاركة فيها، بأنها كانت "سفسطة دولة".. وأكثر من ذلك "عملية إبادة مقنعة". ولتأكيد عبثية مسعى التهدئة ذاتها يتساءل: "هل يمكن لجندي في حالة حرب أن يقوم بمهمة إنسانية؟!" فهناك جوهري بين مهام حفظ الأمن والتهدئة.. وهو تناقض في منتتهى الخطورة لأنه يشكل غطاء -مضللا- للممارسة القمع على نطاق واسع: فعندما نفشل في اقناع الآخر (الشعب الجزائري)، نفكر في القضاء عليه! هذه هي الهمجية ومنطق العدم". ويفسر المجند سارج أدور عنف الحرب الإستعمارية في الجزائر "بالمحيط الشمولي" الذي يسبح فيه أفراد جيش الإحتلال عامة، هذا المحيط الذي تصنعه عنصرية المتسوطنين، وامتيازات العائلات الغنية المفرطة مهم بصفة خاصة. ويصف مجند آخر هذا "المحيط الشمولي" بقوله: "لم أكتشف الشر في الجزائر، بل وجدتني أسبح فيه!" يذكر الكاتب شواهد كثيرة على هذا الشر الإستعماري المستطير نذكر منها: 1 - العنصر ( جيجل) 1956/5/11: أثر إطلاق عيارين أوثلاثة على وحدة عسكرية مارة بالقرب من إحدى المشاتي، كان الرد الفوري تدمير المشتى بمن فيها، ما أسفر عن مقتل 79 شخصا على الأقل بدون تمييز. ويؤكد الكاتب "أن حرق المشاتي كان لعبة عادية، يتسلى بها الجنود".. ويعتبر ذلك "ردا عسكريا على مقاومة الشعب". 2 - عنابة 1956/8/20: ألقىت فدائية قنبلة، فكان الرد من دورية مظليين في حالة هيجان: الإنتقام من 50 جزائريا، وضعتهم الصدفة في طريقهم. 3 - الشمرة (باتنة) 1957: إيقاف 31 جزائريا، أعدموا بعد تعذيبهم ودفنوا في ملعب كرة تحول إلى مقبرة جماعية. 4 - تابلاط 1956/6/29: جاء في رسالة من الاحتياطي المجند جان مولرإلى والديه، أن الكتيبة الثالثة من مدعم المشاة الذي ينتمي إليه، خرجت مساء هذا اليوم في "سخرة غاب" أسفرت عن مقتل 20 مشبوها في فج "بيكار" بالقرب من تابلاط، وكانت إحدى فصائل المدعم قد وقعت في كمين بنفس المكان، أسفر عن مقتل 13 من جنودها. 5 - يقول أحد الضباط: "عند إشعارنا بوجود مجموعة من الفلاڤة في دوار ما، نصوب نحوه مدفعية عيار 75، ونشرع في قصفه دون استثناء أحد"!. 6 - ينقل الكاتب عن ممرضة بمستشفى مصطفى باشا مطلع 1962 قولها: "يموت الرضع في كل لحظة، أصبحت أكره الذهاب الى مصلحة حفظ الجثث، لأن الأمر لا يطاق".. وحسب الكاتب أن الرأي العام الفرنسي عامة "لم يكن يعارض صراحة مثل هذه المناكر التي يقترفها جيشه في الجزائر، ما عدا أقلية قليلة". المجرم أوسراس: "التعذيب والقتل الجزافي.. شر لا بد منه" خصّص الكاتب فصلا من "جنود جلادون" إلى التعذيب في حرب الجزائر، هذا المضمار الذي انترعت مصالح أمن الجيش الفرنسي فيه، قصب السبق من "الفستابو" (1) بدون منازع. نقل الكاتب في هذا الفصل تصريحا للمجرم السفاح جان ماري لوبان (الرئيس السابق للجبهة الوطنية بفرنسا)، يقول فيه "الغاية تبرر الوسيلة، يكفي الإقتناع بعدالة القضية، وأن التعذيب ضروري لخدمتها". ويعني ذلك أن الضابط المظلي المتطوع لوبان كان مقتنعا سنة 56 / 57، بأن احتلال الجزائر قضية، يستبيح الدفاع عنها كل المحظورات! ونقل كذلك تصريحا للمجرم السفاح بول أوسراس، يؤكد فيه مرة أخرى أن التعذيب مرادف للقتل بلا قانون فهو يقول "من النادر أن يبقى السجناء الذين يستنطقون ليلا على قيد الحياة صباح اليوم الموالي".. ثم يضيف "إن الإعدامات الجزافية جزء من مهام الحفاظ على الأمن التي مفر منها".. ولحسن الحظ أن الكاتب يؤكد عبثية التعذيب بالحجة المقنعة إذ يقول: "الزعم بأن للتعذيب دورا وقائيا يعني الجهل بحقيقة حرب الجزائر، فماذا يمكن أن يعرف شخص متعاطف وحتى جندي أسير عن نوايا قادة جيش التحرير؟!!. للتذكير أن المرور عبر العدالة العسكرية رغم قساوتها، والإيداع في السجون النظامية كان ضربا من الإمتياز قياسا بالمحتشدات ومراكز الغزو والعبور التي كانت أوكار التعذيب والقتل بلا حساب. (*) المصالح المماثلة في الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. عار مليشيات "أشياري" في ڤالمة مجازر 8 مايو 1945، هذا الجرح العميق في الذاكرة الجماعية، انعكست بظلالها في كتاب كلود جوان، رغم اهتمامه أساسا بمناكر حرب الجزائر. فقد سجل في هذا الصدد، أن المجند الشاب يحل بالجزائر وهو يجهل كل شيء عن تاريخ شعبها المعتم عليه تماما في المدرسة الفرنسية. وبخصوص مجازر 8 مايو 1945 ينقل عن احياطي مجند قوله "عندما نزلت بميناء الجزائر رفقة شباب احتياطي، لم يكن أحد منا سمع قط بمجازر 8 مايو 1945". ويؤكد الكاتب أن الرأي العام الفرنسي لم يكن على علم بوجود مليشيات للمستوطنين، لعبت دورا رئيسيا في هذه المجازر، لاسيما بڤالمة وينقل شهادة مارسال رڤي عن مناكر هذه المليشيات التي جاء فيها: "إن طرق التقتيل تنوعت وازدادت تحسنا مع تعدد المجازر، فكل عضو من المليشيات كان يبتكر طريقة أرقى لتعذيب الجسد قبل خروج الروح". ويذكر الشاهد أمثلة عن ذلك بڤالمة "كان بعض أعضاء المليشيات يتندرون بشنق الضحايا في جسر وادي سيبوس على طريق عنابة، ثم ينزلون إلى ضفة الوادي لتدرب على الرمادة، باستهداف العيون والأفواه ثم القلوب والأعضاء التناسلية، يتسلون بذلك نحو ساعة، يقومون خلالها بأبشع الدعابات".. هذه الأجساد المعلقة الممزقة، تبقى على حالتها تلك يوما أو يومين، قبل قطع حبالتها ليجرفها تيار المجرى.. على هذه الخلفية وامتداداتها أثناء حرب الجزائر، كتب الرقيب آلان. ف بهليوبوليس في 4 سبتمبر 1956: "نعاتب الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية بحادثة "أوردور" (سورڤلان) لكنا نرتكب ونكرر مثلها بالجزائر دون حرج، لأن ضحاياها من البونيول"!. فرويد أنشتاين: "الثقافةهي الحل".. في أجواء بداية تصاعد النازية والفاشية في أوروبا مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، توجه عالم الذرة أنشتاين إلى العالم النفساني فرويد بالسؤال التالي "ترى ما يمكن عمله لحماية البشر أمام حتمية الحرب؟". فرد عليه في رسالة من فيينا مؤرخة في سبتمبر 1932 يقول "الحل في الثقافة ثم الثقافة.. فكل ما يدفع الثقافة إلى التطور يساهم في العمل ضد الحرب أيضا".. ونقل الكاتب بالمناسبة عن فرويد، يصف أحد مظاهر انحراف الدول، وجنوحها إلى الشمولية قائلا "كثيرا ما تفرض الدولة وصايتها على المواطن، بالتكتم على المعلومات، ومراقبة الإتصال، والتعبير عن الرأي، فيؤدي ذلك إلى حيراته وبقائه مكتوف الأيدي، تحت رحمة التضليل والإشاعة الغامضة".. دور "لصاص" في حرب الجزائر يقول جاك سوستال الوالي العام للجزائر (1955 1956) عن "القسم الإداري المتخصص" (لصاص) أنه "قلب فرنسا النابض في كل دوار"!. ولهذه الأقسام ثلاثة مهام رئيسية: سياسيا: الاتصال بالسكان وكسب ثقتهم، لتسيير البحث عن المعلومات الخاصة بتنظيمات جبهة وجيش التحرير. إداريا: يعتبر ضابط "لصاص" الذي هو برتبة نقيب في الغالب ضابط حالة مدينة في مركزه ومندوب العمالة (الولاية) في نفس الوقت. عسكريا: مساعدة الجيش في عملية التهدئة، وتتبع "لصاص" لذلك قوة مساعدة (من المخازنية والحركى)، تعرف سكان الدواوير جيدا. ويعترف الكاتب بأن بعض ضباط "لي صاص" يحولون مراكزهم إلى أوكار للإستعلام بواسطة التعذيب". وحسب الكاتب أن عدد "الأقسام الإدارية المتخصصة، بلغ في مايو 1961، 661 قسم عبر الجزائر". ويسمى "صاص" المدن "صو" أي القسم الإداري الحضري، وبلغ عددها في نفس الفترة 27 قسما بأهم مدن البلاد، لاسيما العاصمة حيث تتواجد في معظم أحياؤها من الحراش إلى القصبة مرورا ببلكور والمدنية.