المخاض العسير الذي تمر به دول ما سمي بالربيع العربي تخلفه آلامه وحدته من دولة إلى أخرى لدرجة أننا أصبحنا نجهل مصير المولود ولا حتى هويته، فالشعوب العربية التي قررت الثورة والانتفاضة ضد الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة لم يدر بخلدها أن تكون فترة المخاض طويلة لدرجة أن بعض ثوارها وخاصة الشباب منهم أصبحوا يستعجلون الثمار والنتائج ويرفضون أي تريث وتأجيل، تريث يمليه واقع الحال وتأجيل تتطلبه إعادة بناء المؤسسات المنهارة للأنظمة المطاح بها وكذلك محاولة السلطات البديلة إرجاع الثقة المفقودة بين الحاكم والمحكوم، الأمر الذي يتطلب وقتا طويلا، وإذا كان الحراك السياسي الكبير في مصر واضح المعالم بين السلطة الجديدة والمعارضة الشرسة لها بحكم أن طرفي النزاع يحمل كل واحد منهما مشروع مجتمع يريد أن يفرضه على الآخر، وإذا كان الصراع في ليبيا محددا بين الحكام الجدد والمتشبثين بنظام القذافي أو من يطالبون بالانفصال والنظام الفيدرالي، فإن الثوار في تونس تتنازعهم عدة أهواء ومطالب وتتقاذفهم أفكار شتى خاصة وأن الشرارة الأولى للربيع العربي انطلقت من عندهم وبفضلهم وليس بدعا أن يكون حلمهم أكبر وشهيتهم أكثر لثمار هذه الثورة، وليس غريبا أن يتعاملوا بعنف وحدة مع السلطة القائمة التي عجزت عن تلبية أبسط ما نادوا به وثاروا من أجله.. شخصيا لا أرى أي غرابة حين يرجم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بالحجارة وهو اليساري التقدمي المسكون بالهم الشعبي والمنادي منذ عقود كثيرة بما ينادي به الشعب التونسي الآن... المرزوقي بتلقائيته وعفويته يفضح نظام الحكم البديل في تونس ويكشف الشرخ الكبير بين مؤسسة الرئاسة والحكومة حين يعلن عن استغرابه من عدم تغير الأمور في محافظة سيدي بوزيد رغم وعوده أولا ورغم رصد ميزانية خاصة ببعث التنمية بها.. بنفس التلقائية والعفوية يعلن للجماهير التي رشقته بالحجارة بأن مطالبهم هي نفس مطالبه وغضبهم هو نفس غضبه.. لكن هل تساس الأمور بهذه (البراءة) وهذه البساطة والسذاجة والتسليم المبالغ فيه بالأمر الواقع.. على الرئيس المنصف المرزوقي تصحيح العلاقة بينه وبين حركة النهضة أو الاستقالة حتى لا يرجم مرة ثانية...