الفاتورة التي ستدفعها الجزائر في مستنقع مالي 3 ملايين درع بشري.. إرهابيون هلاميون وإبادة وشيكة تطرق الدكتور بلهول نسيم، أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية - جامعة مولود معمري بتيزي وزو، في هذا الحوار المقتضب إلى الوضع في الساحل عموما، وموقع الجزائر مما أسماه باللعبة القذرة التي تنسج خيوطها حولنا، مبرزا الأوراق الرابحة التي يمكن للجزائر أن تفاوض بها، حفاظا على استقرارها ومصالحها. ما هي قراءتكم للقرار الأممي الأخير الذي يجيز التدخل العسكري الإفريقي لتحرير ما يسمى شمال مالي؟ ما يتعلق منه بالقرار الأممي الأخير وقبل التركيز على نص الخطاب الأممي، لابد أن ننطلق من مسلمة مفادها: أن الخبرة الدولية في التعامل بانتقائية مع أزمات دولية من هذا النوع (يكاد يكون فيها التداخل بين العوامل الداخلية والخارجية المتحكمة في مسارات الأزمات المرتبطة بمشاكل السيادة ومستقبل الدولة الأمني والجغراسي غير واضح) يشير إلى أن الطريق معبدة لتدخل أطلسي في المستقبل القريب، وهذا لا يعد تكهنا بقدر ما يعكس قراءة يقظة للآليات التي بموجبها تعمل القوة المفرطة الحالية the présent hyper-power . والأمر يتعلق هنا بالولايات المتحدةالأمريكية والطريقة التي تدير بها ظروف الملف المالي وهو ما يشكك في افتعالية القضية، وهل التجربة الحالية ستؤدي بدول المنطقة إلى الانقياد أمميا أو أطلسيا، ما دامت التجارب الإقليمية كلها فاشلة أو يراد لها الفشل مثلما كان الشأن بالنسبة للتجربة الأممية في منطقة البلقان، فلا تزال قضايا الحسم وسلطة الضبط الميداني تحت قبضة الحلف الأطلسي. وهل شرعنة التدخل جزء من الحل أم إطلاق للأزمة؟ أي تدخل من أية صفة كان: إفريقيا، عربيا، أوروبيا أو أمريكيا لن يزيد الوضع إلا تعقيدا، مع أجواء عدم الثقة التي تحوم حول رحى القوى الكبرى المهيمنة على القرار الدولي الأممي منه، التي تسعى من وراء المبادرة الأممية إلى فتنمة السلوك العسكري الإفريقي في شمال مالي، وبالتالي إلى جانب أمور تتعلق بالالتزامات الإجرائية العسكرية الأمنية الشأن، ستحاول نفس الأطراف تقديم المعونات الإنسانية التي تعد مصدرا هاما آخر لجل الفقراء المقاتلين. وحتى اعتماد أساليب الحوار مع رؤوس التنظيمات الإجرامية تعد طريقة غير مقبولة، بقدر ما تعزز وتضفي الشرعية على هذه الجماعات في حالة ما إذا دعيت إلى طاولة المفاوضات. كما تطرح مشاريع ولوائح التدخل الأممي في بعض المناطق ومنها إفريقيا سؤالا مهما، وهو: هل إفريقيا غير مستعدة بعد للاستقلال وغير ناضجة لتقبل فكرة السيادة، لتفسح المجال أمام راتزلية أطلسية جديدة تغذيها روح العولمة المتوحشة التي لا تعترف بحدود الدول السياسية منها ولا القيمية. هل من توضيح أكثر في هذا المجال؟ عند القراءة الذكية للنص الحرفي لتقرير مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي المعنون ”الاتجاهات العالمية 2025: عالم متغير”، سنلاحظ أن اهتمام الإدارة الأمريكية بالقارة والمنطقة على وجه الخصوص، ليس من قبيل المصادفة، فالصفحة الأربعون من التقرير معنونة ب”إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: المزيد من التفاعل مع العالم والكثير من الاضطراب”. ما هي الأوراق التي لا زالت بيد الجزائر؟ أولا وقبل كل شيء، لابد أن ننطلق من واقع كون أن الجزائر من حكم موقعها وخبرتها في المعالجة الأمنية مع قضايا التهديد غير المتوازي، مثل : الإرهاب، أضحت لاعبا وليست قوة. فالجزائر تعتبر محورا أساسيا في منطقة المجازفة، ومحور رد عمل عسكري هام، بالإضافة إلى ثقل الدعم الفني والتكتيكي الذي قد يكون حاسما في دبلوماسية وقائية تعمد من خلالها إلى الرفع من مستوى توازن السلطة المالية وهو ما يطلق عليه ب”عمليات توازن المكانة”، فقضايا الأمن في المنطقة رهينة عمليات دعم الاستقرار الذي يحتم الحيلولة دون انهيار القوى الإقليمية وهذا في إطار توازن المصالح وتوازن القوة وبناء عناصر الثقة من الداخل. وأي تعاون جزائري دولي و بالأخص الأمريكي منه، لابد أن تأخذ في حساباتها مقولة تشرشل في الحرب العالمية الثانية، عندما تحالف مع ستالين ضد هتلر: ”إنني أتحالف مع الشيطان ضد هتلر” . فالقرار الأممي الأخير القاضي بضرورة التدخل العسكري في شمال مالي نراه امتدادا لقرار آخر صدر من مجلس الأمن 1373 القاضي ب”مكافحة الإرهاب من أجل تجريد حملة عسكرية ضد تنظيم القاعدة”، وبالتالي سلسلة اللوائح الأممية هذه تأتي كاستمرارية للحرب الأمريكية على الإرهاب كطريق مرسوم من أجل الهيمنة وتكريس الفوقية - التي بدأت تتضح عليها علامات الشيخوخة مثلها مثل قدر الإمبراطوريات المرسوم على نقوش جيولوجيا القوة والسيطرة العالمية - من خلال تعزيز فرص العمل العسكري الأطلسي ومشاركته في أبعد النقاط، خارج مجاله التقليدي (الأوروبي)، على تخوم ما تسميه وروجت له إدارة واشنطن ب”الشرق الأوسط الموسع”. وهل وضع الجزائر الجيوبولتيكي كاف بالنظر إلى توقف موجة الربيع العربي؟ بنوع من التفكير الصحيح واليقظ فقط، يمكن أن تكون لدينا قراءة ذكية للوضع، إذ يجب أن لا ننساق وراء الآراء الخارجية، التي تستغرب كيف لهذا البلد أن لا يثور كبقية بلدان المنطقة العربية.. فالعالم يمر حاليا إلى نظام جديد، لذا تريد القوى الخفية من البلدان الشرق أوسطية والمغاربية ومنها الجزائر المرور معه، لذا أفتعلت هذه الملفات التي تعد وقودا لبناءات النظام الدولي المستقبلي. فالجزائر طبعا لابد لها أن تتبع هذا النظام الجديد، لكن هذا الأخير اختلطت عليه الأوراق أمام دولة الاستثناء في المنطقة، ليجد نفسه أمام عدة عقبات تمليها وضعية الجزائر الجيوبوليتيكية. فالجزائر مثلا لها قرابة الستة ملايين نسمة في دولة مثل فرنسا لوحدها. تخيلوا معي لو أن فرنسا كانت سبب موت المئات من الجزائريين، أو سببا في تخريب الجزائر جراء أي عمل عسكري أجنبي تكون هي طرفا فيه، تخيلوا معي ماذا سيكون مصير هذه الدولة أمام الدرع البشري الجزائري المتواجد على أراضيها؟، كما وأن الجزائر تعتبر شريكا هاما بالنسبة للإدارة الأمريكية في حربها على الإرهاب. بالإضافة إلى كونها تعد بطارية أوروبا مستقبلا: فمشاريع كبرى مثل ”مشروع ديزارتيك” (مشروع الطاقة المتجددة) كفيل بأن يضع الدولة الجزائرية في موضع المساوم. نحن الآن أمام واقع غير واضح المعالم، هنالك لعبة قذرة تنسج خيوطها من حولنا، ولا خيار لنا إلا المرور إلى هذا النظام الدولي الجديد، وسيكون أمامنا خياران: إما المرور بأمان أو لا قدر الله بغير ذلك. المهم أن للجزائر أوراقا رابحة، تتيح لها كل الوقت للمرور إلى هذا النظام المفروض فهي تملك حاليا ما يجعلها سيدة لمواقفها. حاوره: عبد الرحمن. ط قرع طبول الحرب يعقّد الموقف أكثر تحالفات، انشقاقات وخارطة انتشار جديدة للجماعات المسلحة استسلمت الجماعات المسلحة النشطة في شمال مالي إلى خيار الدخول في الحرب ضد أي تدخل عسكري مرتقب، وقبلها تصفية خصومها واستبعادهم من الحلبة، التي يبدو أنها أصبحت أكثر اكتظاظا ببروز ميليشيات صغيرة تبحث لنفسها عن موقع وسط الفوضى التي صنعتها الأوضاع السياسية والعسكرية المتعفنة، وغذتها قاعدة مغرب التي ترعى هذا الجنون بامتياز، في وقت أبدى العديد من الفاعلين في هذه البقعة التي تصدّر الإرهاب تردّدهم من تبني الخيار الجزائري الذي غادر استراتجيتهم إيذانا بإعلان خارطة انتشار جديدة لإشعال فتيل الدمار انطلاقا من ”الخليل”. تتسابق الجماعات المسلحة النشطة في شمال مالي للظفر بمعسكرات التدريب ومخازن الأسلحة، وتحرص على ضمان تأييد متحالفين معها لتحصين نفسها من الأخطار قبل ستة أشهر فقط من تاريخ التدخل العسكري الذي يعوّل عليه لوضع حد لحلم الجهاديين في تأسيس دولة الإمارة، وتسابق الزمن للتأقلم مع المستجدات وتغيّر خارطة انتشارها بشكل يمكّنها من مقاومة الزحف القادم، متسلحة بذلك بحرب العصابات التي ستكون قاسية على الجيوش الإفريقية التي أصلا لا تتمتع بالكفاءة اللازمة التي ستسهل عليها المهمة، وإن كان الدعم الغربي يصنع الفارق من خلال تعهده بإرسال طائرات دون طيار لقهر الإرهابيين وإعادة سيناريو أفغانستان، ومحاولة بلوغ معاقلها وقصفها دون تسجيل خسائر بشرية في صفوفه. وكانت جماعة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا، أول من قرع طبول الحرب بعمليته الأخيرة التي نفذها على الخليل والتي استولى فيها على كميات كبيرة من الأسلحة، وسرق حتى تلك الممتلكات الخاصة بالسكان، معلنا جاهزيته لمواجهة ”الإكواس”، وحرصه على السيطرة المبكرة على معاقل المقاتلين تحسبا للتدخل الأجنبي بعد ضمان استمرار تحالفه الدائم مع تنظيم القاعدة الحاضر في المدن الثلاث الكبرى ”غاو”، ”تمبكتو” و”كيدال”، مستفيدا من خبراته اللوجستية والتدريبية والاستخباراتية التي اكتسبها من حروبه مع جيوش دول المنطقة، لاسيما الجزائر، موريتانيا ومالي على مدار سنوات. وهو التنظيم الذي يعيش في مناطق النزاع، ويستغل أوضاعها المتردية لتوقيع بصمته باسم الدين والجهاد، ولا يزال يشكّل الخطر الحقيقي بالنسبة للغرب الذي يدرك جيدا أن معسكرات التدريب الخاصة به تنتج انتحاريين لتوجيههم إلى دوله، خاصة منها أوروبا التي تشكل هدفا يرمي أتباع الأعور بلوغه. في المقابل تسعى قاعدة المغرب إلى تأكيد سيطرتها الفعلية على شمال مالي لإدارة الحرب من موقف قوة، واستغلال خبرتها لمسايرة أطوارها بالتركيز على تثبيت نفسها في أقوى المدن وتعزيز عتادها من الأسلحة التي قيل سابقا، إنها تتوفر عليها خاصة منها صواريخ مهربة من مخازن ليبيا، والتي تهدد باستعمالها بمجرد إحساسها بالخطر. في المقابل خسرت الجماعتان المسلحتان حليفهم أنصار الدين الذي نأى بنفسه بعيدا عن الجميع، متبرئا من صفة الإرهاب حرصا منه على حياة السكان باعتباره يمثل الطوارق، وكان قد اختار لغة الحوار والتفاوض بالاستعانة بالوسيطين الجزائر وبوركينافاسو، وكاد أن يتفق مع جبهة تحرير الأزواد بعدما كان أحد المسؤولين، بطردها من المدن وتمكين الإرهابيين من ذلك، لكن قراره عرف نوعا من التذبذب بين حذر واندفاع، ليركن أخيرا إلى الحياد متأنيا في اتخاذ القرار بعدما امتنع عن التواصل مع وسائل الإعلام. ورغم تفضيله للحوار السياسي على حساب الحرب، إلا أنه لم يتخل تماما عن الخيار الثاني، وهو يتميز عن الجماعات الأخرى بتعداد عناصره ولا يزال يتمسك بمنهجه المتشدد ولديه استعداد للتحالفات والانشقاقات كونه يشترك مع كل جماعة في قاسم جامع، وآخر مفرق، وهو يحضر نفسه للحرب كما خصومه الذين يحرص على عدم استفزازهم خاصة في الوقت الراهن، حتى أنه أخيرا تنصل من اتفاق الجزائر مع جبهة الأزواد حول تجنب الأعمال العدائية في المناطق التي يسيطران عليها. أما جبهة تحرير الأزواد التي بقيت متمسكة بموقفها في الاستقلال عن مالي، والدفاع عن حقها في حكم ذاتي، فقد قررت الاجتماع غدا الإثنين، بمنطقة تينزواتين لتقييم أدائها، وإعادة ترتيب بيتها بشكل يحميها من الخطر الذي ستنال نصيبا منه بعد ستة أشهر من الآن. وإن كانت قد أعلنت استعدادها لمحاربة أي أجنبي يطأ أرض الأزواديين، بالحرص هذه المرة على نقل المعارك إلى خارج المدن لتفادي سقوط ضحايا في صفوف العزل، وهي النتيجة التي تحرص الجزائر على تجنبها كونها تفتح النار على منطقة الساحل بأكملها، وترغم الجزائر على تكبد نتائج حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، ومن الممكن أن تدفع داخليا ثمنا باهضا من خلال سنوات من الاستنزاف، كما ستنشغل بمهمة الدفاع عن حدودها على حساب تقدمها التنموي كما ستخسر دورها الريادي كقوة إقليمية لها وزنها وثقلها، فضلا عن تحولها إلى نقطة جذب لمئات الآلاف من اللاجئين. وتوجد حاليا في موقف محرج بسبب تواجد ثلاثة دبلوماسيين لها في قبضة جماعة الجهاد والتوحيد، التي تواصل عمليات استفزازها مستغلة تشدد الجزائر الرافض لدفع فدية أو التفاوض مع الإرهابيين. حسيبة. ب سمفونية الحرب نشاز على الجزائر الاضطراب في الساحل تجارة وعبادة! تمّ اقتباس العنوان من عبارة لأبي سفيان في فيلم الرسالة للمخرج الراحل مصطفى العقاد، وهو يتحدث عن آلهة قريش أو بتعبير أدق عن سلطة الأصنام، بأنها ”تجارة وعبادة”، فالوضع في الساحل كذلك من قبيل إيديولوجيا للبعض وتجارة للبعض الآخر، سيتضرر منها بالتأكيد الأكثر تماسكا وتنظيما ولحمة وبحبوحة مالية، وعليه فقد تم من خلال هذا الملف التطرق إلى الوضع في الساحل على ضوء المستجدات الأخيرة، بالإضافة إلى إبراز ما يمكنه أن يضر بالجزائر، فضلا عن الأوراق التي تمتلكها وتجعل منها لاعبا في المنطقة لا قوة فقط. الجيش الجزائري يتحمل وحده عبء اللااستقرار في ليبيا وتونس هذه هي الفاتورة التي ستدفعها الجزائر من مستنقع مالي 3 ملايين درع بشري.. إرهابيون هلاميون وإبادة وشيكة تستعد الجزائر مع بداية العد التنازلي للتدخل العسكري في شمال مالي، الذي بدأت حممه تقذف الجزائر تنبئ أن القادم أسوأ، أسوأ السيناريوهات بعد الفشل في استبعاد التدخل العسكري، الذي أصر عليه غرب أنهكته الأزمة الاقتصادية، وأفقدته صوابه ثروات الجزائر، وخامات دول الساحل، لتجد الجزائر التي نجت من موجة الربيع العربي، بين فكي الكماشة، وحدودها الجنوبية تشتعل لتتحمل وحدها أعباء انهيار المؤسسات الأمنية في دول الجوار. خرجت الجزائر بعد سنوات المأساة الوطنية التي مازالت جراحها تدمي الجزائريين من حالة طوارئ إلى طوارئ أخطر بجنوبها الكبير، الذي يمدها بالحياة عبر مؤسستها النفطية التي أسالت لعاب العالم هناك.. ورغم أن الحرب في ظاهرها مالية إلا أن الجميع يؤكد أن الجزائر من ستدفع فاتورتها وهي تواجه اليوم ضغوطات رهيبة للمشاركة بقواتها في التدخل العسكري الذي ظلت ترفضه جملة و تفصيلا، في منطقة يصعب فيها مواجهة جماعات إرهابية تجيد حرب العصابات، و تتلذذ باستخدام المدنيين كدروع بشرية سيفرون حتما نحو الجزائر، التي ستضطر إلى التكفل بالهاربين من الموت. وفي وقت جندت فيه الجزائر كل أوراقها لتحييد الجماعات المسلحة، والحيلولة دون استثمار الجماعات التكفيرية في مطالب الأزواد الباحثين عن العيش الكريم، فشلت في آخر المطاف بإقناعهم بالحوار مع السلطات المركزية في باماكو، ونجحت فرنسا في استصدار قرار أممي بنشر قوات إفريقية بداية الصيف القادم، كما تشير آخر التوقعات. الحرب أزفت والمسلحون في شمال مالي يستعدون والجيوش الإفريقية في طريقها، إلى حرب يؤكد الجميع أنها جزائرية قبل أن تكون مالية، فما عساها تخسر صحراء كانت تبحث دوما عن الحياة قبل أن يستعبدها متطرفون وجدوا في سلاح القذافي ضالتهم، فكم ستدفع الجزائر في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل؟. حاولنا الوقوف مع بعض الخبراء حول حجم الفاتورة، وهل سيطول أمد الحرب أم أنها أيام معدودات نستيقظ بعدها على أن الإرهاب في الساحل أصبح في خبر كان. وفي هذا المضمار يؤكد الخبير الأمني أعمر بن جانة، في حديث مع ”الفجر”، أن الفاتورة لن تقتصر على جنوب البلاد وحده، حيث ستجد الجزائر نفسها مجبرة على سياسة التقشف رغم البحبوحة المالية التي تعيشها جراء المصاريف الكبيرة على قواتها بالحدود الجنوبية، فضلا على مصاريف النازحين من مدن الاقتتال. ويضيف العقيد السابق في الجيش، أن برامج التنمية التي باشرتها الجزائر مع الرئيس بوتفليقة، ممثلة في البرنامج الخماسي ستعرف هي الأخرى تراجعا، سيما مع تعلقها بالمدة الزمنية الخاصة بالإنجاز. ويكاد يجزم محدثنا أن الفاتورة الحقيقية للحرب أو المدة التي تحتاجها الجيوش الإفريقية لتطهير المنطقة من الجماعات المسلحة يصعب التكهن بها مع المعطيات الحالية، خاصة وأن هذه القوات لا تعرف عدوها ومن ستقاتل بالضبط، لأن المسلحين يتواجدون وسط المدنيين والحرب غير متكافئة إطلاقا. وهو ما ذهب إليه مستشار سابق برئاسة الجمهورية، في حديثه عن تكاليف حرب خارج حدودنا الجغرافية، لكن تأثيراتها ستكون كبيرة جدا بالنظر إلى طول الحدود الذي يتجاوز 1000 كلم، حيث يبقى التحدي الأكبر أمام الجيوش الإفريقية هو ”من سيقاتلون؟ لأن العدو مكانه وهويته الحقيقة غير معروفتان، وقابل للتشكل بشكل تمويهي يصعّب المهمة بشكل كبير جدا”، وكما يؤكد محدثنا خطورة الأمر تتجاوز حرب العصابات. ويذكر ذات المتحدث، أن سكان المدن في شمال مالي هم من يدفعون الثمن، حيث سيجد قرابة 3 مليون ساكن أنفسهم كدروع بشرية لن تجد مفرا غير الأراضي الجزائرية على اعتبار أنها الأقرب، مشددا على أن الحرب القادمة بطريقة أو بأخرى ستساهم في انتشار الاختطافات لاستخدمها كأوراق ضغط ضد حكومات الدول التي شاركت أو دعمت التدخل العسكري في المنطقة. ويسترسل الدبلوماسي الجزائري في الحديث بالقول، إن التسلح هو الآخر سينتشر بطريقة مذهلة في المنطقة التي تتوفر اليوم على كميات الكبيرة منه، والأخطر أن الجماعات المسلحة ستجبر المدنيين بمن فيهم الأطفال على حمل السلاح والقتال في صفوفها، ما يهدد بكارثة إنسانية، ويتخوف محدثنا من حرب إبادة شاملة لسكان منطقة الأزواد، الذين يتشكل معظمهم من الطوارق بنسبة 90 بالمائة، خاصة مع الحساسيات الموجودة بين النظام المركزي في باماكو وسكان المنطقة الباحثين عن استقلال ذاتي. ويتحسر الدبلوماسي على الخسائر الدبلوماسية للجزائر بعد أن باتت الحرب على حدودنا الجنوبية وشيكة، لأن الجزائر فشلت في فرض منطقها المؤكد دوما على الحوار وتطهير المنطقة داخليا من الإرهابيين بمساعدة سكان المنطقة الأصليين، حيث أصبحت الحرب واقعا بعد أن تنصلت جماعة أنصار الدين، التي حاولت الجزائر جاهدة إبعادها عن دائرة القاعدة. ويرى محدثنا، أن الحرب القادمة ستؤثر كثيرا على صورة الدبلوماسية الجزائرية، وعلى موقعها كدولة محورية بيدها الكثير من خيوط الحل والربط في المنطقة. والأكثر في منظور الدبلوماسي الجزائري، أن الجزائر فشلت في تحرير رهائنها الذين اختطفتهم الجهاد والتوحيد قبل أشهر في مدينة غاو، في ظل تمسكها بالمبادئ التي تناضل من أجلها، في صدارتها تجريم دفع الفدية بعد أن نجحت في إقناع هيئة بان كيمون في تحريمها، مشيرا إلى أن كون المختطفين الجزائريين دبلوماسيين يؤزم موقف الجزائر التي خسرت دبلوماسيين آخرين في الحرب العراقية. فاطمة الزهراء حمادي ملثمو الساحل يتكبرون على دروكدال عقارب في الصحراء أم أسماك في الماء؟ صنعت الجماعات الإرهابية التي ظلت تستنزف أمن الجزائر واستقرارها على مدار سنوات طوال الحدث الأبرز في عام لم يجد له اسما أروع من ”سنة الملثمين”، مع تسارع الأحداث في صحراء تنام على ثروات وحدها قادرة على إنقاذ اقتصاديات غربية منهارة تبحث عن أسواق جديدة لعل وعسى. إرهابيون.. عقارب الصحراء.. ملثمون.. أمراء، كلها أسماء لمتطرفين يرفعون شعار الدين، للبحث عن موقع في الجزائر قبل أن تجبرهم الظروف على التوطن بصحراء صعبة جدا يسهل معها الثراء الفاحش مع التجارة في السلاح والممنوع وحتى البشر، باحثين عن أفغانستان جديدة غير آبهين بتهديدات المجموعة الدولية باجتثاثهم بالقوة، لأنهم يدركون أن الطبيعة القاسية حليفهم القوي. تقارير غربية تصر، في الكثير من الأحيان، أن تربط حرب هذه العقارببالجزائر موطن أغلب هذه القيادات، التي هاجرت قبلا نحو السعودية وأفغانستان لتعود إلى بلادها محملة بالفكر الجهادي ومن بعدها تغادر نحو أفغانستان أين الغنائم أكبر والظروف أكثر ملائمة. مع بداية الثورات العربية التي أطاحت ببعض أنظمة جيران الجزائر، عرف زعيم قاعدة المغرب، عبد المالك درودكال، كيف يستثمر في عدم استقرار الأوضاع، ويروج للفكر السلفي عن طريق اختراق الجماعات الإسلامية في تونس وإرسالها لاحقا إلى ليبيا، مرتكزا في الأول والأخير على سياسة التحالفات للهيمنة على الساحل، التي أتت بثمارها فيما بعد، والدليل السيطرة على مدن مالية كما حدث مع حدث مع مدينة مانيكا. في نوفمبر 2011، يعوض درودكال ممثله الدائم ”يحيى جوادي” (مسؤول الناحية 9 بجنوبالجزائر والساحل) ب ”نبيل مخلوفي”، الذي توفي لاحقا في حادث سير، ليقرر في شهر سبتمبر السيطرة على ”مختار بلمختار” والقادة الرئيسيين في كتائب مالي، لقدرتهم الميدانية ومعرفتهم بالرجال في المنطقة، لكن وجد صعوبة كبيرة جدا لأنهم على قدر كبير من الدهاء ”وهم في الأساس عقارب في الصحراء وليسوا أسماكا في الماء”. انتفاضة الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، منح درودكال فرصة من ذهب للبحث عن ثورة في الساحل، لكن خطابه لم يجد أذانا صاغية بعد ظهور حركة أنصار الدين لزعيمها، أياد اغ غالي، واستقلالية أبو زيد ومختار بلمختار، ما جعل الجهاد والتوحيد تؤكد على تطبيق الشريعة، وهذا ما يؤكد أن سيادة دروكدال على الساحل رمزية أكثر منها فعلية في ظل رفض القيادات الانصياع لأوامره. فاطمة الزهراء حمادي أبرز قادة التنظيمات الإرهابية في الساحل مختار بلمختار.. إمبراطور التهريب أبرز الجهاديين ينحدر من الجزائر، عاش ذو الأربعين سنة، فسادا في الجزائر التي غادرها مع بداية التسعينات، يمكن التوقف خلال مساره في 4 محطات رئيسية. 1990_1991: بلمختار يغادر الجزائر نحو السعودية ومن ثمة إلى أفغانستان، أين تشبع بالفكر الجهادي قبل أن تنفجر عليه قنبلة حملته لقب الأعور الذي اشتهر به. 1992: الأعور يعود إلى موطنه الجزائر مع توقيف المسار الانتخابي وإعلان جبهة الإنقاذ العصيان المدني، ليلتحق الكثير من عناصرها نحو الجبال، رافضين قرار السلطات الجزائرية إلغاء نتائج التشريعيات، لينفذ عمليات نوعية ضمن تنظيم ”الجيا” الذي استباح دماء الجزائريين. 1998: أبرز قادة التيار السلفي في الجزائر يوجه أنظاره إلى الساحل التي بدأ حراكا غير طبيعي على رمالها. 2000: بلمختار يؤسس لأكبر إمبراطورية تهريب في الساحل. أبو زيد.. مهندس الاختطافات أكثر القيادات الإرهابية تعطشا للدماء، سجله الإرهابي حافل بالضحايا، سيما من المختطفين، مساره يمكن اختزاله في أربع محطات رئيسية: 1998: بعد القتال في صفوف ”الجيا”، يلتحق أبو زيد بتنظيم الجماعة السلفية. 2003: المسؤول الأول عن اختطاف 32 رهينة أوروبية بالجنوبالجزائري. جانفي 2009: متهم بإعدام الرهينة البريطانية. 2000: المسؤول عن اختطاف 7 سياح بالنيجر في المنطقة الغنية باليورانيوم. إياد آغ غالي.. المتمرد أحد القادة السياسيين الماليين ينحدر من مدينة كيدال، برز صاحب 54 سنة ربيعا بعد تأسيس حركة أنصار الدين، إحدى الجماعات المسلحة التي تسيطر على شمال مالي، يمكن التوقف عند 3 محطات في مشواره. 1990: عاد من ليبيا ليكون أحد أبرز قادة حركة تحرير الأزواد، التي تناضل من أجل الاستقلال. 2007: يغادر باتجاه العربية السعودية كمستشار بقنصلية بلاده أين أقام علاقات هناك مع تنظيم القاعدة ليعود في سنة 2010 إلى والي كوسيط في المفاوضات لتحرير رهائن. 2011: نجم إياد آغ غالي يسطع في سماء الساحل بعد تأسيس تنظيم حركة أنصار الدين.