بولنوار: 60 في المائة من الذهب المتداول في السوق السوداء مغشوش وأنت تمشي في شارع العربي بن مهيدي أو شارع خليفة بوخالفة بالعاصمة، يستوقفك شاب “كاش ما تبيعي كاش تشري”.. بمثل هذه العبارات تبدأ المفاوضات بين الزبون والمشتري، والسلعة طبعا الذهب الذي شهد ارتفاعا ملحوظا في سعره وصل إلى مستويات قياسية “الغرام الواحد وصل إلى أكثر من ستة آلاف دج”. ومع ارتفاع الأسعار ارتفع عدد الذين يزاولون مهنة الدلالة أوالسمسرة في الذهب، التي يمارسها الرجال والنساء في الأسواق الشعبية بالعاصمة، مثل شارع العربي بن مهيدي أو زنقة العرايس . تحول شارع خليفة بوخالفة في المكان القريب من المسرح الوطني وجامع كتشاوة، إلى مقصد لبائعات الذهب “الدلالة”، حيث يعرضن سلعتهن التي تشهد إقبالا كبيرا من طرف الزبائن، خاصة أن الأسعار هنا منخفضة بعض الشيء إذا قورنت بتلك المتداولة في السوق. وبينما النسوة يعرضن سلعتهن ويدخلن في جولات من المفاوضات مع الزبونات يتولى شبان مرافقون للبائعات مهمة الحراسة ومراقبة الوضع عن قرب، ما يؤكد أن هذه التجارة وإن كانت تبدو فوضوية لكنها تخضع لنظام خاص يمر عبر شبكات المافيا التي تستورد الذهب المغشوش من الخارج، وتعيد تسويقه بعد أن تعاد صياغته وتصنيعه في محلات وأماكن سرية. الوضع الاقتصادي فرض على الكثير، خاصة المقبلين على الزواج، اللجوء إلى السوق الموازية لتلبية حاجياتهم بأسعار تكون عادة معقولة. وكمحاولة لكسب ثقة الزبائن يقوم تجار هذه السوق بعرض خدمات على زبائنهم تتمثل في الذهاب إلى محلات الذهب المنتشرة في الشارع المقابل ل”تعيير” الذهب ومعرفة إن كان ذهبا خالصا أومغشوشا. ولكن الضالعين في هذه التجارة يعرفون جيدا أنها مجرد حيلة لاصطياد الزبائن لأن السمسار يتفق مع صاحب المحل مقابل حصة معينة من الأرباح مقابل تقديم شهادة البراءة للزبون بشأن السلعة التي يشتريها. الكثير من اللواتي يمارسن هذه التجارة يعقدن اتفاقا مع أصحاب “السلعة”، وكل بائعة وشطارتها في تحصيل الأرباح التي يعود جزء منها إلى البائعة، وعادة ما تزيد نسبة الأرباح في مواسم الأفراح، لهذا نجد السوق السوداء تنتشر بشكل كبير وتأكل معها السوق النظامية في ظل تنامي عدد الذين يزاولون هذه المهنة، مثل الشباب البطال وطلبة الجامعة وحتى صغار الموظفين. ويبقى الهاجس الذي يراود أي مقبل على مثل هذه الأسواق هو الغش في السلعة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحول دون تمكن العائلات الجزائرية من شراء أي قطعة من الذهب دفعة واحدة. فعادة ما يلجأ الزبائن إلى الدفع بالتقسيط، وهي طريقة تلقى رواجا ويتقبلها أصحاب المحلات وتجار الدلالة أيضا، وهذا بعد انحسار وتراجع سوق الذهب بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ويبقى الاتفاق بين التاجر والزبون يحتكم إلى معيار الثقة التي قضت عليها حيل تجار السوق السوداء، بل وصار الغش يطارد حتى المحلات النظامية التي صارت تعرض ذهبا غير مدموغ هروبا من الضريبة التي تفرضها السلطات على مثل هذه المعادن، حيث يقر محمد، صاحب محل لبيع الذهب بشارع ديدوش، أن السوق اليوم صار البارونات يسيطرون عليها ومن الصعب أن نجد ذهبا غير مغشوش في الجزائر. ففي ظل سيطرة بارونات الذهب على السوق تراجعت أرباح ومداخيل المحلات النظامية التي لا تتجاوز في أحسن الاحوال 500 ألف دج شهريا، الأمر الذي دفع أصحاب المحلات إلى ترويج الذهب الذي لا يحمل الدمغة ولا طابع الضمان. يقر الخبراء أن الخزينة العمومية تخسر سنويا ما لا يقل 50 مليار دج جراء هذه التجارة، وتشكل هذه الظاهرة خطورة كبيرة على الاقتصادي الوطني. وفي هذا الصدد يؤكد الطاهر بولنوار، أن قيمة الذهب المتداول في السوق السوداء تقدر ب30 طنا، أي ما يشكل 40 في المائة من الذهب المتداول في سوق المعادن الثمينة في الجزائر. وأضاف بولنوار، في اتصال مع “الفجر”، أن 60 بالمائة من هذه القيمة هي ذهب مغشوش. وقد حمل المتحدث الدولة مسؤولية هذا الوضع الذي يشكل كارثة بالنسبة للاقتصاد الوطني، حيث فرض منطق السوق السوداء نفسه دون أن يكون لوكالة المعادن الثمينة أي رد فعل. من جهة أخرى قال رئيس اتحاد التجار إن المواطن، من جهته، يتحمل مسؤولية استهلاكه لسلع مغشوشة دون تحري الحقيقة، خاصة أن السلعة المعنية هي معدن ثمين مثل الذهب.