الجزائريّ عاطفيّ بطبعه، قد تكسَبُه بكلمة وقد تخسَره بكلمة أيضا، لكنّ المفارقة المعقّّدة المميّزة لشخصيته هي أنّ قاموسه العاطفي شحيح إلى حدّ الندرة، وتعابيره اللفظيّة متشنّجة قد تسقط في كثير من الحالات تعابيره النفسيّة. أو بمعنى آخر، فإن الكثير من الجزائريين لا يحسنون التعبير عن مشاعرهم، بما فيها مشاعر الحبّ التي بقيت إلى زمن قريب محجوزة في قارورة لفظية ذات عنق ضيّق، قد تفتح بعسر شديد في الأماكن الضيّقة أو بعيدا عن اللمّة.. وغالبا ما تصبّ هذه المشاعر في وعاء لغويّ غير جزائري، سواء كان باللغة الفرنسيّة المسيطرة على لسان التعبير العاطفي في الجزائر منذ عقود أو باللهجات المشرقيّة أو حتّى الفصحى التي غزت بيوتنا بداية من دندنات عبد الحليم حافظ وشادية مرورا بتأوّهات كاسندرا وألخاندرو ووصولا إلى تسبيلات مهنّد ونور. هذه النماذج التعبيرية المتدفٌّقة زادت طين العقدة اللفظية الجزائريّة بللا، إلى درجة أنّك قد تبحث عن عبارة جزائريّة قحّة، لتقولها لابنك في عيد ميلاده؛ فلن تجدها وستجد لسانك مضطرا للاستعانة ب joyeux الفرنسيّة أو happy birthday الإنجليزيّة أو حتى ”سنة حلوة يا جميل” المصريّة. مشكلة اللسان الجزائري في ما تعلّق بالتعبير عن العاطفة، لا تقتصر على المناسبات فقط، وإنما حتى في علاقاته اليوميّة، وهو الأمر الذي قد يجعل من طالب فلسطينيّ مثلا؛ نجما بين نظرائه الجزائريين في الجامعة، لدى الطالبات الولهانات باستقبال تعابير عاطفيّة تشبه تلك التي تدغدغهم من شاشات الفضائيات. إنّ الحديث عن عقدة التعبير العاطفي في الجزائر، ليس حديثا هامشيا على متن المناسبة فقط، وإنما هو إشكاليّة معقّدة تتطلّب تدخّل علماء الاجتماع والنفس والأنثربولوجيا، لتحليلها. هؤلاء الأخصائيين الذين يبدو وكأنهم هم أنفسهم يعانون مشاكل في التعبير والتواصل مع مجتمعهم.