قبل مشاهدتي لفيلم ”آرغو” لمخرجه الأمريكي بن أفليك، توقّعت أن تكون هناك إشارة ولومن بعيد للدور الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية إبّان أزمة الرهائن الأمريكيين عام 1979. لكن لا شيء ممّا توقعته حدث لأن الغرور الأمريكي يمنعه من الاعتراف للآخرين بجميلهم الإنساني. بعد ظهور الفيلم (7نوفمبر 2012) قدّم السفير الكندي السابق في طهران، زمن الأزمة، انتقادات للفيلم عن تقزيم دور سفارة بلاده في أحداث الفيلم على حساب الحقيقة، رغم أن الفيلم لم يتجاهل كليّا هذا الدور، وقدّم الكثير من المشاهد التي تعبّر عن عرفان الأمريكيين لكندا اعترافا بجميلها.. لكن بالمقابل لماذا تمّ تجاهل الدور الجزائري ؟ ألم تكن الوساطة الجزائرية هي السبب في الإفراج عن الرهائن الأمريكيين، ألم يكن ممكنا التنويه بذلك على الأقلّ ضمن الإشارات النصيّة التي جاءت في آخر الفيلم..؟. يمكن اعتبار أزمة الرهائن هي سبب القطيعة السياسة التي تمتدّ إلى اليوم بين الولاياتالمتحدةوإيران، ففي عام 1979 نجحت الثورة الإيرانية في خلع الشاه ”محمد بهلوي” الذي لجأ إلى أمريكا بهدف العلاج، ما جعل الإيرانيين يتّخذون موقفا عدائيا من أمريكا، بالنظر إلى سوابقها في دعم حكم الشاه.. يبدأ الفيلم بعرض وثائقي يعتمد على الشريط المرسوم عن مختلف المراحل التاريخية التي مرّت بها إيران منذ أقدم الحقب إلى غاية قيام الثورة الإيرانية بزعامة الخميني، ثم ينتقل إلى مشاهد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران من طرف المتظاهرين الإيرانيين، حيث يظهر حرص الأمريكيين على إتلاف كل الملفّات السريّة الموجودة بالسفارة كي لا تقع في أيدي المتظاهرين. في هذه الأجواء من العنف والفوضى يتمكّن ستة من موظفي السفارة من الفرار واللجوء إلى سفارة كندا، في حين بقى الآخرون، وعددهم 52 موظفا، رهائن في قبضة المتظاهرين. وكان هذا بداية لأزمة هزّت كيان أمريكا، وكانت السبب في سقوط الرئيس ”جيمي كارتر”، الذي لم ينجح في حلّها عن طريق التدخل العسكري، حيث باءت عميلة ”مخلب النسر” بالفشل. ولم تنته الأزمة إلا بعد مرور 444 يوما (من 4 نوفمبر 1979 حتىّ 20 جانفي1981) بعد التوقيع على اتفاق الجزائر، حيث أطلق سراحهم جميعا. فيلم ”آرغو” مأخوذ عن قصّة حقيقية مستوحاة من ملفّات الاستخبارات الأمريكية، لم تكن لتظهر لولا أن الرئيس الأمريكي بيل كليتنون رفع الحظر عن سريّتها عام 1997. وقد كان تركيز الفيلم منصبّا على مصير الموظفين الستّة الذين لجئوا إلى السفارة الكندية، حيث تلجأ المخابرات الأمريكية إلى العميل ”توني منديز”، الذي ينجح في مهمّته عن طريق استعمال هوليود كطعم مسموم للنجاح في مهمّته الجاسوسية، ليتحول في النهاية إلى بطل قومي.. في البداية يتمّ توظيف منتج ومخرج وممثلين ووسائل دعاية، وكأنّ الأمر يتعلّق بفيلم حقيقي، من أجل ضمان النجاح التام لعملية ”آرغو” التي تتمّ بإقناع كبير في مراحلها التحضيرية بأمريكا، وبطريقة وسهولة أقلّ إقناعا في طهران.. يتمكّن عميل ”السي إي أي”، توني، من الدخول إلى طهران عن طريق تركيا بجواز سفر كندي بحجّة البحث عن أماكن لتصوير فيلم الخيال العلمي ”آرغو”. ويتوصّل إلى إخراج الموظفين الستّة عبر مطار طهران بجوزات مزوّرة باعتبارهم فريق تصوير الفيلم، وهي الحيلة التي انطلت على السلطات الإيرانية التي لم تتفطّن إلى الخدعة إلا بعد فوات الأوان وإقلاع الطائرة. يشير هذا الفيلم بشكل واضح إلى دور السينما الهوليوودية في الدفاع عن المشروع الأمريكي الإستراتيجي، بما يخدم سياستها في إظهار الذكاء والتفوق الأمريكي.. وقدرتها على تسويق صورة أمريكا كدولة متحضّرة وديمقراطية، فيما تظهر صورة إيران كدولة معادية لكل القيم الإنسانية بالاعتماد على الصور والمشاهد والزوايا المنتقاة بدقة متناهية.. آرغويريد أن يقول إن أمريكا فشلت سياسيا في معالجة أزمتها تلك، وعليها اليوم أن تنتصر سينمائيا، هكذا هي السينما وهم وتضليل.. الحقيقة في الجزائر، والخديعة في هوليود.. أحمد عبدالكريم