لاتزال منطقة عين غرور تبحث عن نفسها ومكانتها على غرار المناطق الأثرية لمنطقة ڤالمة، وتعطش أهل المنطقة لمعرفة تاريخ بلدتهم التي تتميز بالعديد من الشواهد التاريخية الرومانية، البعض منها نهب والآخر لايزال تحت الثرى. حاولنا مرارا خلال بحثنا عن تاريخ المنطقة في العصور القديمة، لكن لم نعثر على أي وثيقة تفيدنا على الأقل بتسمية المنطقة في وقت الرومان. المصطلح الشائع في تسمية المنطقة عين غرور، حسب الأهالي، أنها منطقة غنية بالثروات المائية فجاء هذا الاسم نتيجة لكثرة مياه الينابيع والمغارات المتواجدة بها. وقد سماها الاحتلال الفرنسي آنذاك البلدية المختلطة لصافيا، أي ما يعرف بالفرنسية “كومين ميكست دو صافيا”. تقع منطقة عين غرور الأثرية في الجهة الشرقية لولاية ڤالمة، تابعة إداريا لبلدية حمام النبائل التي تبعد عنها ب 14 كلم شمالا، يحدها من الشمال بلدية لخزارة ومن الجنوب بلدية عين صندل ومن الجنوب مشاتي أولاد ضاعن المتاخمة لولاية سوق اهراس، تحيط بها جبال صفاحلي وصفية البقرات. موقعها جاء في شكل حوض ممتد على نحو 2 كلم طولا وحوالي كلم عرضا. تتوفر على أراض خصبة وعلى الكثير من الينابيع، منها عين غرور، عين بن خرفان، عين سي رمضان، عين نشمه. ويشقها وادي يسمى حاليا وادي لكبالتية جاري شتاء وشبه جاف في فصل الحر. جبالها كانت تمتاز بأشجار الفلين الكثيفة، لكنها تعرضت للحرق كم من مرة أثناء الاحتلال وفي نهاية السبعينيات. وينحدر أغلب سكان المنطقة من قبيلة بني كبلوت، الذي عاد من الأندلس بعد النكسة التي ضربت الأندلس من قبل الصليبيين، لكن أثناء الحملة الاستعمارية سنة 1837 تعرضت المنطقة إلى نكبة هجرت الكثير منها إلى البلدان المجاورة عن طريق النفي والتشريد. تتوفر منطقة عين غرور على آثار هامة تعود إلى ما قبل التاريخ، منها ما ينتسب إلى ما قبل دخول الرومان.. هذا ما تثبته الفخاريات التي عثر عليها السكان، ففي مكان يسمى رأس القلب عثر مواطنون على فخاريات من الطين وبداخلها عظام محروقة كانت قد أخرجت نتيجة فتح مسالك الطرقات. أما الآثارالرومانية فإنها تعم المنطقة على الجهة الشرقية. وحسب بقايا الآثار من أحجار ونوافذ حجرية التي تؤكد تواجد قرى محصنة بأسوار، على اعتبار أن الرومانيين كانوا يعتمدون على تشييد القرى الفلاحية والثكنات العسكرية. ففي مكان تواجد الزاوية لاتزال بعض النقوش التي هي في شكل أحواض مائية، وآثار تدل على صحون من الحجر كانت تقدم للميت أثناء موته. وبجانب هذه الزاوية على مسافة حوالي 200 متر جنوب توجد آثار مقبرة رومانية تحت الثرى، ما ظهرت منها إلا الألواح الجنائزية المنقوشة من الأحجار. وإلى منطقة أخرى تسمى حاليا القلعة، حيث تعرضت الآثار إلى الاندثار، منها ما سلبها السكان ومنها ما تدحرج إلى الوادي المجاور، على اعتبار أن القلعتين بنيتا في أماكن عليا شبيهة إلى حد كبير بمنطقة تيبليس. والغريب في الأمر أن هذه الآثار توجد بمحاذاتها مقبرة اكتشفت أثناء أشغال توسيع الطريق، وفي مكان صلب جدا يسمى هنشير. كما عثر أحد المواطنين على بقايا النقود وأواني الأكل مثل الملاعق النحاسية، لم يبق من هذه الأحجار المرقمة إلا لوحة واحدة لاتزال في الحفظ عند بعض الأهالي الذي انتبه لها خوفا من نهبها، الأمر الذي يتطلب إجراء قراءة صحيحة حتى يعرف محتواها هل هي لأحد الأباطرة أوالضباط العسكريين. كما يتطلب الأمر إجراء دراسة تاريخية دقيقة تبدأ من ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا. عين غرور.. الجنة المنسية الزائر لهذه المنطقة التي تقع بين طيات جبل صفاحلي شرقا وصفية البقرات شمالا، يندهش لجمالها الرائع خاصة في فصل الربيع، حيث المياه العذبة التي تنبع من الجبال المحيطة بها كعين غرور في حد ذاتها وعين بن خرفان وعين سي رمضان.. والكثير من الينابيع الموجودة هناك، إضافة لحوضها الممتد على مسافة 3 كلم طولا وحوالي كلم عرضا. كما تشتهر أيضا بالتين والزيتون والرمان ومختلف أنواع الكروم التي كانت منتشرة عبر وادي لكبالتية. بقايا أطلال زاوية بني كبلوت تعتبر زاوية لكبالتية من أقدم المدارس القرآنية في المنطقة، لها فرعان، الأول ببلدية عين العربي غرب مدينة ڤالمة تبعد عنها بنحو 40 كلم، أما الفرع الثاني يوجد ببلدية لحنانشة 25 كلم شرق مدينة سوق أهراس. بعد زاوية الشيخ الحفناوي المتواجدة حاليا بالناضور، يعود تأسيسها من قبل الجد “كبلوت” خلال القرن الثالث عشر أو الرابع عشر الميلادي. هذا الأخير الذي يقولون أنه جمع بين العلوم الشرعية والفلسفة وصاحب حكمة فر من جحيم الصليبيين أثناء سقوط الأندلس في يد الأوربيين. تعرضت للتدمير الكلي من قبل الاستعمار الفرنسي سنة 1852، حسب المؤرخين الفرنسيين، في الحملة الشرسة التي قادها أحد جنرالات فرنسابقسنطينة، والذي شن حملة إبادة وصلت حتى الحدود التونسية. وأعدم الاستعمار حسب الأهالي 7 من شيوخ المدرسة بثكنة ڤالمة، وأحرقت جميع الوثائق والكتب، وفر من فر إلى الأراضي التونسية القريبة من هناك على جبال بني صالح. “الفجر” وقفت على أطلال الزاوية التي ما بقي منها إلا أجزاء من جدرانها وأسوارها وشجرة ضخمة تسمى “البطومة”، حيث يقول السكان أن عمرها تجاوز أربعة قرون، فهي تعتبر بالنسبة لهم رمز من رموز الزاوية “المحروقة”. كما يعتبر أيضا “كاف السايح” أعلى قمة مقابل المدرسة على الناحية الغربية منها، والذي ذكره كاتب ياسين في روايته الشهيرة “نجمة” رمزا لهم، حيث كان طائر “العقاب” يحلق بين قمة الجبل والمدرسة على مسافة حوالي 2 كلم، أن الطائر بقي الأخير بعد أن دمرت الزاوية ثم التحق بهؤلاء الشيوخ فيما بعد، وبقي “الكاف” وحده لم يسكنه طير إلى يومنا هذا. كما يروي بعض الأهالي “أن ذئبا في ليلة الحادثة عض إحدى المصاحف المغلفة بجلد الحيوانات، فمات والمصحف الشريف بين فكيه”، وأصبح المكان الذي مات فيه الذئب يسمونه “عواڤة الذئاب”. وتفيد بعض المصادر أن بعض ما تخلف من لهب النيران المشتعلة بالمدرسة آنذاك، يوجد حاليا عند أحد الأهالي، منها كتب مكتوبة باليد وأثاث يكمن في خزانة من خشب، وهو ما يطالب به سكان بني كبلوت، لأنه يعتبر تاريخ أجدادهم الذي قضت عليه فرنسا في لحظة - إن صح التعبير - على غرار باقي المدارس القرآنية التي دمرتها. القائد محمد الطاهر الكبلوتي.. رجل مقاومة في طي النسيان في دردشة قصيرة مع عمي الهمامي مناصرية، ابن عم ياسين، كاتب ورفيق دربه واحد أبناء المنطقة المدعو محي الدين، قال إن محمد الطاهر الكبلوتي ينتسب لزاوية لكبالتية، ولد سنة 1829بعين غرور ودرس في المدرسة القرآنية، وزاول دراسته في جامع الزيتونة بتونس الشقيقة، وتحصل على وسام الشرف للتحصيل العلمي بها. وبعد أن شرع الاستعمار في الإبادة ومصادرة الحقوق العينية، نظم المقاومة من الحدود التونسية رفقة العديد من الجزائريين، حيث استطاع أن يجند حوالي 2000 فارس مكونا منهم فيلقا، وهذا سنة 1854م. ويذكر عمي الهمامي أن القائد قبل شروعه في المقاومة استعمل الطريقة الدبلوماسية وفقا لما تنص عليه الشريعة الإسلامية، وإجرائه لمفاوضات مع تمسكه بالمقاومة، لكن الاستعمار أبى ذلك، ليشن العديد من العمليات في أواخر شهر جانفي 1871 بنواحي ڤالمة وسوق أهراس وصعد من المقاومة، لكن في بداية سنة 1881 انتقل الشيخ إلى تونس ومات فيها سنة 1888. وبما أن الشيخ كان من الأوائل في تحريك المقاومة، لكن لا أحد حرك ساكنا لإحياء ذكراه أواعتماد ملتقى خاص به من الجهات الوصية، حسبما يضيف محدثنا. كما أن رجال التاريخ لم يجروا أي بحث عنه حتى تعرفه الأجيال القادمة.. مع أن سكان المنطقة يطالبون بضرورة إحياء ذكراه بالمنطقة كل سنة. كاتب ياسين من أعلام المنطقة أنجبت عين أغرور كذلك العديد من الأعلام، منهم من وصل إلى العالمية على غرار ياسين كاتب، وابن عمه مصطفى كاتب، اللذين ينحدران من زاوية بني كبلوت. يقول عمي الهمامي إن ياسين كان لا يعرف من أهله إلا الألقاب بحكم أنه ولد سنة 1929 بزيغود يوسف في قسنطينة، وكان يتنقل منها إلى كل من سطيف وعنابة، غير أنه وضع قدميه فيها سنة 1964 أين تعرف عليه أبناء المنطقة ونقل منهم الكثير من المعلومات عن أجداده، حيث كان ياسين - يضيف عمي الهمامي - يجمع كبار الأهالي في كوخ من الديس، ويتلقى فيه أبناء المنطقة لتعليم القرآن، ليذهب بعدها ولا يعود إلا في نوفمبر 1984 على خلفيات كثيرة، من بينها مشكل الانتماء الحقيقي، الأمر الذي أدى به إلى انجاز شريط وثائقي عن المنطقة. وصرح الكاتب صاحب رواية “نجمة” للصحافة، أنه ينحدر من هذا المكان بصورة ضمنية عندما قال “ذهبت وتركت أهلي تحت الشجرة البطوم وعدت ووجدتهم تحتها”. أما مصطفى فقد ولد بسوق أهراس سنة 1929، التحق بفرقة محيي الدين بشطارزي سنة 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية، وفي 1956 عين مصطفى رئيسا للفرقة الفنية التي أنشأتها جبهة التحرير الوطني بتونس، ولعبت هذه الفرقة دورا بارزا في التعريف بالقضية الجزائرية، وغيرها من المناصب الوطنية التي قلدها الأديب الراحل سنة 1989 بالجزائر العاصمة. المدرسة الابتدائية اليتيمة.. أقدم مدرسة على المستوى الوطني استفادت منطقة عين غرور من مدرسة ابتدائية يعود تأسيسها إلى سنة 1952، وكان هذا التاريخ يصادف تاريخ النكبة الذي تعرضت له الزاوية سنة 1852، أي بفارق قرن من الزمن، حيث بنيت المدرسة باستعمال البغال والحمير من طرف “الكولون”، لكن بعد أن تم إنجازها اندلعت الثورة التحريرية وحطمها جيش التحرير والمسبلين، إلى أن جاء الاستقلال وأعيد ترميمها بنفس الطريقة التي بنيت بها في الأول من طرف عمي الهمامي. وعادت المدرسة من جديد لكنها لم تفتح أبوابها إلا سنة 1975 بمعلم واحد. وفي السنوات الأخيرة قامت البلدية بتوسيعها مرتين وذلك بإنجاز 4 أقسام على مرحلتين تلقى تلاميذها معاناة كبيرة خلال السنوات الأولى، حيث كان أحد المعلمين، الذي هو الآن مفتش مقاطعة بوشڤوف، يشعل الحطب في الخلاء حفاظا على التلاميذ من شدة البرد القارص في فصل الشتاء. وقد تنفست الصعداء في السنوات الأخيرة القليلة برد الاعتبار لها بصورة مقبولة، غير أن المعاناة لاتزال مستمرة في هذه المنطقة جراء غياب التهيئة، فيما يخص فتح الطرقات وفك العزلة على المشاتي، وهو الشيء الذي جعل العديد من الأطفال لا يلتحقون بمقاعد الدراسة، خاصة الفتيات منهم، لاسيما سكان المشاتي المجاورة كمشتة جنان انشم وعين بن خرفان اللتين يفصلهما وادي لكبالتية عن المدرسة. ورغم الإلحاح المستمر من السكان بإنجاز جسر يربطهم بالمدرسة، إلا أن شيئا من هذا لم يتحقق، لتظل بعض هذه المشاتي في عزلة تامة خاصة في فصل الشتاء. الطريق اللغز في حياة سكان المنطقة يربط العديد من المشاتي طريق من مشتة الدردارة، شمال بلدية حمام النبائل ووادي المالح، هذا الأخير حكايته طويلة.. أنجزه الاستعمار سنة 1952 ولم يكتمل بسبب اندلاع الثورة، ومنذ الاستقلال بقي على حاله إلى غاية سنة 1996، سلمته البلدية لأحدى المقاولات التي لم تنجزه وفق المعايير العلمية، ما أدى إلى تآكل أجزاء كبيرة منه وسقطت جميع جسوره، ثم أعيد لشطر منه الاعتبار سنة 2001، والذي يربط بين الدردارة وصولا حتى مشتة زوز العقبة القريبة من عين غرور، ولم يكتمل ليمس باقي المشاتي المحاذية له حتى المدرسة. ومع مرور الوقت اندثر هذا الشق، لتعم العزلة من جديد. سكان المنطقة، وعلى رأسهم عمي الهمامي، يطالبون بالتفاتة طيبة إلى منطقتهم من أجل فك العزلة عن بعض المشاتي والاهتمام أكثر بتراث المنطقة الذي يكاد يندثر رغم قيمته التاريخية، خاصة أن المنطقة عرفت خلال السنوات الاخيرة توافد العديد من الأجانب بمناسبة الملتقى الدولي للأديب كاتب ياسين. ”البطومة” عمرها تجاوز أربعة قرون، فهي تعتبر بالنسبة للسكان رمز من رموز الزاوية “المحروقة” ياسين كان لا يعرف من أهله إلا الألقاب بحكم أنه ولد سنة 1929 بزيغود يوسف في قسنطينة، وكان يتنقل منها إلى كل من سطيف وعنابة