كثر الحديث حول مراسلة الوزير الأول عبد المالك سلال رقم 133 والمؤرخة في 02 ماي 2013، والمتضمنة النظام التعويضي للجنوب والهضاب العليا والموجهة للسادة والسيدات أعضاء الحكومة، لذا أحببت أن أقدم شروحا قانونية وموضوعية تزيل اللبس والغموض حول هاته المراسلة.التوضيح الأول هو لماذا لم يذكر الوزير الأول منحة المنطقة في مراسلته؟، وذلك لأن هاته المراسلة موجهة أساسا إلى أعضاء الحكومة وليست للرأي العام أو للنقابات العمالية، وعليه فهي عبارة عن مراسلة إدارية تهدف إلى إعلام وإبلاغ الوزراء أعضاء الحكومة بأن الوزير الأول قد اتخذ قرارا بتحيين وعاء حساب النظام التعويضي المؤسس بموجب المراسيم التنفيذية الثلاثة والمتضمنة منحة الامتياز وهي: أ- المرسوم التنفيذي 95-28 ممضى في 12 يناير 1995، المحدد للامتيازات الخاصة الممنوحة للمستخدمين المؤهلين التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والهيئات العمومية العاملين بولايات أدرار وتامنراست وتيندوف وإيليزي. ب - المرسوم التنفيذي 95-300 ممضى في 04 أكتوبر 1995، والمحدد للامتيازات الخاصة بالموظفين المؤهلين التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والهيئات العمومية العاملين في ولايات: بشار والبيض وورڤلة وغرداية والنعامة والأغواط والوادي، وبعض البلديات التابعة لولايتي الجلفةوبسكرة، والمعدل بالمرسوم التنفيذي 03-196 والقرار الوزاري المشترك ممضي في 27 فبراير 2002، المحدد لقائمة المؤسسات التابعة لوزارة التربية الوطنية التي يستفيد مستخدموها من المرسوم التنفيذي 95-330. ج - المرسوم التنفيذي رقم 95-330 ممضي في 25 أكتوبر 1995، المحدد للامتيازات الخاصة التي تمنح للمستخدمين المؤهلين في الدولة والعاملين في مؤسسات مصنفة تقع في بعض بلديات ولايات خنشلة، تبسة، المسيلة، سعيدة، ڤالمة، تيارت، باتنة، أم البواقي، تيسمسيلت، سوق أهراس، بسكرةوالجلفة. هاته المراسيم التنفيذية الثلاثة وتعديلاتها صدرت عن رئيس الحكومة في ذلك الوقت مقداد سيفي، وعليه، لذلك فإن مراسلة الوزير الأول المرسلة لأعضاء الحكومة تطرقت إلى هاته المراسيم التنفيذية المتعلقة بمنحة الامتياز لأنها تدخل ضمن اختصاصه، ويمكنه أن يعدلها أو يلغيها ويدمجها في مرسوم تنفيذي واحد، لأنه كما يعرف أهل الاختصاص بأن القاعدة القانونية تنص بأنه لا يمكن إلغاء أو تعديل نص قانوني إلا بنص قانوني يوازيه في القوة أو يفوقه، بمعنى يمكن لمرسوم تنفيذي صادر من الحكومة أن يلغى بمرسوم تنفيذي يوازيه في القوة صادر من الحكومة أو بمرسوم رئاسي أو قانون أو أمرية رئاسية. بينما منحة المنطقة أو تعويض المنطقة أحدث بموجب المرسوم الرئاسي رقم 72/199 بتاريخ 05/10/1972 والذي وقعه الرئيس هواري بومدين، ثم أصدر بعده الرئيس الشاذلي بن جديد المرسوم الرئاسي 82-183 المحدد لكيفيات حساب تعويض المنطقة، إذا حتى يتم تحيين هذين المرسومين الرئاسيين يجب أن يصدر أمر رئاسي بذلك، بحيث يتم تعديل وتحيين المرسوم الرئاسي بمرسوم رئاسي يوازيه أو بقانون أو أمرية رئاسية وليس أقل من ذلك. إذا حينما أرسل الوزير الأول عبد المالك سلال مراسلته الآنفة الذكر، وعبر فيها لأعضاء حكومته عن رغبته وقراره بتحيين منحة الامتياز فقط، فهو يعي ما يقول ويعرف جيدا بأنه رجل مسؤول، ويتكلم ضمن اختصاصاته وصلاحياته الدستورية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخذ قرارا خارج مجال هاته الصلاحية، لذا فقد عبر بصدق ووضوح وبمسؤولية عن قراره بتحيين وعاء حساب النظام التعويضي المؤسس بموجب المراسيم التنفيذية التي يمكنه تعديلها وإصدار مراسيم بديلة عنها. أما منحة المنطقة فهي مؤسسة بموجب مرسوم رئاسي، وعليه لا يمكنه التصريح بشأنه إلا بعد مشاورة رئيس الجمهورية المخول قانونا باتخاذ قرار في شأنه، ونحن نعلم الوضعية الصحية التي مر بها الرئيس والحمد لله أنها مرت بسلام، وهو الآن حسب التصريحات الرسمية في مرحلة التعافي والنقاهة، لذا فإن غيابه عن الوطن ومزاولة مهامه في هذه المرحلة يمنعان الوزير الأول من الخوض في قضايا تنتظر الرئيس للفصل فيها بشكل نهائي أو على الأقل المصادقة والتوقيع على المراسيم التي ستصدر في الجريدة الرسمية. ومن هنا، فإننا لا يمكن أن نفهم تصريحات بعض الأطراف النقابية حول غموض المراسلة ومطالبتهم للحكومة بتحديد جدول زمني لإصدار المراسيم، إلا بأنهم يعيشون خارج الزمان والمكان ولا يفهمون ماذا يحدث في البلد من جهة، ومن جهة أخرى لا يدرون أو يتجاهلون حقيقة أن مراسلة الوزير الأول ليست موجهة أصلا للنقابات، وهي مراسلة إدارية داخلية موجهة لأعضاء الحكومة فقط، وإظهارها من طرف وزير التربية للنقابات وتسليمها هو بادرة حسن نية من الحكومة ورسالة واضحة للنقابات ومن ورائهم عمال الجنوب بأن الحكومة تتفهم مطالبهم، وتبنت فعلا انشغالاتهم وشرعت في تجسيدها، من خلال إجراءات محددة وواضحة لكنها تتطلب وقتا بسبب الظروف التي تمر به البلاد والتي ذكرناها سابقا. لكن، للأسف بعض النقابات وبعض العمال في جنوبنا الحبيب لم يفهموا المعنى الحقيقي والأبعاد السياسية التي جعلت وزير التربية دون باقي وزراء الحكومة ممن وجهت لهم المراسلة نفسها يظهر وينشر ويقدم وثيقة خاصة ذات طابع إداري خاص موجهة له شخصيا بصفته وزيرا في الحكومة إلى نقابات التربية، وحتى أنه لم تقرأ المراسلة قراءة صحيحة ومتأنية ولم تفهم مضامينها ومحتوياتها، بل اكتفت كعادتها بقراءة سطحية مستعجلة وأصدرت البيانات واتخذت القرارات وكأنها في سباق مع الزمن والتاريخ. لقد سبق وأشرنا أن اللجنة الحكومية المختصة توصلت في نتائجها إلى ضرورة دمج المنحتين في منحة واحدة وتعميم هاته المنحة على كافة الأسلاك ومناطق الجنوب والهضاب العليا حسب الأصناف، وهو أمر لا مفر منه وحتمي، لذلك فإن المراسلة ذكرت بالنص ”تحيين وعاء حساب النظام التعويضي المؤسس بموجب المراسيم التنفيذية.....”، وهنا أطرح سؤالا على النقابات: ما معنى تحيين؟ وما معنى وعاء حساب النظام التعويضي؟ للأسف أقولها دائما القيادات النقابية الحالية هرمة ودون مستوى تطلعات القواعد، ولا تبذل جهدا في الفهم وسؤال أهل الاختصاص قبل اتخاذ قراراتها، لذلك غالبا ما تكون قراراتها مرتبكة ومتعجلة وفيها عوار. وبالعودة إلى السؤالين المطروحين آنفا، نجد أن تحيين قانون ما هو جعله حينيا أو يتماشى مع ما هو جاري العمل به حاليا، أما وعاء حساب النظام التعويضي فالمقصود به هنا إما الأجر القاعدي أو الأساسي الذي ستحتسب على أساسه هاته المنح، فتحيين وعاء حساب النظام التعويضي المقصود به قطعا تحيين الأجر القاعدي، وجعله وفق الشبكة الاستدلالية للأجور المعمول بها حاليا، وهي المنصوص عليها في المرسوم الرئاسي 07-304 المؤرخ في 29 سبتمبر 2007. ويعني هذا أن المطلب الأول من مطالب الإضراب قد تحقق فعليا وهو التحيين، أما التفاصيل المتعلقة بالنسب المئوية والأسلاك المستفيدة والمناطق فهي بكل تأكيد لا يمكن أن تتضمنها مراسلة إدارية، وإنما هي أمور تقنية سيتكفل بها فوج العمل أو اللجنة التقنية التي نصبها وزير العمل وأعلن عنها في الفاتح ماي 2013 بولاية معسكر، والتي مهمتها إعداد مشاريع المراسيم التي تقدم لمجلس الحكومة ومنه إلى مجلس الوزراء ليصادق عليها رئيس الجمهورية بعد عودته من رحلة الاستشفاء. والمنطق يقول إن كل المنح بما فيها منحة المنطقة سيتم دمجها في منحة واحدة معتبرة، لأنه من الغباء والسذاجة التفكير بأن الوزير الأول قرر تحيين منحة الامتياز فقط وسيترك منحة المنطقة كما هي تحتسب على أساس أجور سنة 1989، لأنه تفكير قاصر وفيه عوار بكل تأكيد، وإنما الأصح أن الوزير الأول في مراسلته لم يذكر تعويض المنطقة ولا تعويض الامتياز (منحة الامتياز) بالاسم، وإنما ذكر النظام التعويضي للجنوب والهضاب العليا ونحن نعلم أن النظام التعويضي الحالي للجنوب يضم منحتين هما منحة المنطقة والامتياز، لذلك فكل المعلومات المتواترة والتي سبق وأن أشرت إليها أن الحكومة قررت دمج المنحتين في منحة واحدة وتحيينهما وتعميمها. التوضيح الثاني هو لماذا الأثر الرجعي من جانفي 2012 بدلا من جانفي 2008؟ هو سؤال مهم ومفصلي فيما يحدث بمنطقتنا من تجاذبات، سأوضح هذا الأمر ببساطة، فلقد سق أن ذكرت في موضوع لي سابق بأن منحة الجنوب ستكون بأثر رجعي من 01-01-2008 وكل التصريحات الحكومية كانت تصب في هذا الاتجاه واللجنة المختصة أوصت بذلك. لكن ماذا حدث؟ ما حدث هو أن اللجان التقنية اصطدمت بعائق كبير فيما يخص النسب التي أوردناها في موضوع ساب، على اعتبار أن هناك بعض الفئات سيلحقها ظلم كبير وربما ينقص راتبها بدل أن يزداد، وهو أمر مخالف للقانون وغير مقبول. وسأعيد مثال الأساتذة الجامعيين والأطباء الأخصائيين الذين يتقاضون منحة امتياز في ولايات الجنوب الكبير تصل إلى 150٪ وأجور بعضهم تصل إلى أزيد من 20 مليون سنتيم بسبب منحة الامتياز والمنطقة، فعند دمج المنحتين معا فإن أي نسبة تقل عن 80 ٪ ستؤدي إلى خفض رواتبهم، لذلك تم تقديم اقتراحين هما إما زيادة قليلة بأثر رجعي كبير من 2008، أو زيادة كبيرة بأثر رجعي أقل من 2012. وطبعا الخيار الأول سيخدم العمال الذين في نهاية خدمتهم وسيحالون قريبا على التقاعد، بينما الخيار الثاني سيستفيد منه أغلبية العمال لأن الزيادات الهامة ستدخل في رواتبهم ويستفيدون منها طيلة مدة الخدمة المتبقية لهم، لذا كان الخيار الثاني هو الحل، إقرار زيادات هامة في رواتب العمال بأثر رجعي من 2012، وأظنه خيارا صائبا إن صحت المعلومات. أستاذ بولايات الجنوب