إن الشيء يعظم جرمه بفساد ماهيته وتضرر العباد بضرره وأثره، فالضرر يُزال وذرائعه تُسد. وإن من أعظم مبادئ الشريعة مقاصدها القائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد، لذا أمر الشارع الحكيم بترك كل ما غلبت عليه شوائب الفساد، فإذا علمنا كون العلم نورا وهدى وسبيل العباد إلى السعادة في الدنيا والآخرة. لذا فقد صانه الله من العبث فقَّيض لحفظة عدولا أمناء، ينفون عنه تحريف الغلاة ودعاوى وتخريف الجهلاء، ويكشفون عنه خزايا المتعلمين والدخلاء . وإن للتعالم أضرارا وخيمة ومفاسد جسيمة ممتدّة أثارها إلى شّتى الفنون والعلوم فترى العامي إذا سمع المتعالم يعطيه منزلة ذوي الألباب قال قتادة رحمه الله: (من حدَّث قبل حينه افتضح في حينه) وذلك بهَتك باطله وما ينطوي عليه. وكما يُحجر على الطبيب المُتعالم لصالح الأبدان فإن من باب أولى وأحرى أن يُحجر على العالم والفَتي المُتَعالم من الفُتيا والتوجيه لصالح الديانة، إذ الأبدان في خدمة الأديان ، قال صلى الله عليه وسلم: ”من تطَّبَبَ ولم يُعلَم منه طِبٌ فهو ضَامنْ”، وقال سبحانه وتعالى:{وَلاَ تَقْفٌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ٌ إنَ السَمْعَ وَالبَصَرَ والفٌؤَادَ كٌلُ أُولائِكَ كَانَ عنْه ُ مَسْؤولاَ} [ الإسراء 36].. ففي هذين النصين زجر للمتعاملين المتلاعبين بالدين. قال تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركو ا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف 33] فالقول على الله بلا علم من أعظم الجنايات المؤدية إلى هذه الموبقات المذكورة في الآية. ومن أهم صفات المُتَعالمين: أ- التزيد في الكلام والمجاهرة بمخالفة الأعلام بدعوى أنه على علم بدقائق العلوم. ب* التجرؤ على الفُتْيا: ذكر أبو عمر عن مالك: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة فوجده يبكي، فقال : ما يُبكيك ؟ أمصيبة دخلت عليك ؟ وارتاع لبكائه، فقال: لا ولكن أستفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم. فمن أقدم بالجرأة على ماليس له بأهل من فتيا أو قضاء أو تدريس إستحق اسم الذم ولم يحل قبول فتياه ولا قضائه هذا حكم دين الإسلام. لكن العلماء كانو مع علمهم يسكتون ولا ينطقون والفتوى لبعضهم بعضا يدفعون وهم عالمون. ج* من مظاهر التعالم اقتحام مجالات هو ليس من أهلها، طمعا في نيل، سؤددها ودرتها وهو لا يستحقها، وكان متشبها بصفات لم يعطها، والساحة العلمية تعج بالمتعاملين عجيجا، في تعليقاتهم الغرائب، فإن العلم - خطاب وكتابة - له رجاله و مجاله وله قواعده وأصوله، ولذلك تجد كل من ادعى و تظاهر بالعلم فضحته الشواهد لأن بنيانه على غير قواعد. ولقد قام العلماء بجهود كبيرة تناولت بالنقد عبث العابثين و تدليسات المتعالمين في مصنفات كثيرة. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فَسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). (متفق عليه. ...(يتبع)