لاتكاد تمر من شارع أو حي بالعاصمة حتى يصادفك سرب من المتسولين الذين أصبح قانون ”الطلبة” مباحا لهم في جميع مراحله أمام أبواب المساجد، في الأسواق، وأمام المساحات الكبرى.. إنها الضرورة والحاجة لطلب الصدقة أم أنه الطمع الذي دخل نفوس هؤلاء؟. رحلة خاصة قامت بها ”الفجر” لمشاركة المتسولين يومهم.. اختلفت الظروف والسبب واحد.. هو الإملاق الذي أرهق النفوس ودك فيها الطمع والجشع والاستغلال.. سويعات قليلة قضيناها مع سيدة كانت تتسول أمام مدخل شارع فرحات بوسعد ”ميسونيي” رفقة أبنائها الثلاثة. الحياة علمتنا فطرة الدفاع عن النفس حاولنا اقتحام ما يدور في رأس هذه المرأة التي تعدت ال 40 من عمرها، حيث قالت بنبرة حزينة ”لم أجد سبيلا أمامي بعد أن قام أهلي وزوجي بالتخلي عني رفقة أبنائي، ولم أجد مكانا ألجأ إليه سوى الشارع الذي احتضنني رغم قساوته، إلا أن الحياة علمتني الكثير منها فطرة الدفاع عن النفس أمام الذئاب التي تتربص بنا في كل حين، فأين الرأفة والإنسانية؟ لقد أصبحنا نعيش في غابة”. اختلفت الحالات التي صادفتنا، فمنها من يستعمل الأطفال طلبا للرأفة والشفقة، حتى إن استدعى الأمر تأجيرهم بسعر 2000 دج أواقتسام المردود أوإعطاء نسبة معينة.. إنه قانون المالية الذي اتخذه هؤلاء، إضافة إلى صياغة عبارات الاستعطاف باستعمال مختلف الوسائل.. ماجعلنا نقف أمامه في مدخل المسجد الكبير بساحة الشهداء، فالمكان هناك ب”المعريفة”، يقول أحد المتسولين، حيث يقوم البعض المتسولين بحجز المكان وتوقيف شبان لحراستهم وحراسة مكانهم، وغالبا ما يكون مدخل المسجد خلال فترات الصلاة، وفي الغالب تجد اشتداد الشجار بينهم من أجل ربع مكان اعتدى عليه ”طلاب” آخر، ومنهم من يستعمل عاهة مرضية أصيب بها، فتجده يعرض أمام المصلين وثيقة طبية أو يكشف عن عضو مصاب أو مبتور، إلى غير ذلك من أساليب الاستعطاف. ”امبراطوريات” التسول تغزو شوارعنا من جهة أخرى، قابلنا عون أمن أمام مدخل شارع ”شاراس” بالعاصمة، حيث أكد أن هناك من المتسولين من يعملون تحت مظلة امبراطوريات وعصابات يصعب الولوج إليها، لكن مصالح الأمن تعمل جاهدة لمحاربتهم باستعمال كل الأساليب.. لكن في كل مرة نجدهم يعودون إلى نشاطهم، خاصة أنهم يستعملون كل أساليب العنف والسيطرة على الضعفاء منهم للاستحواذ على المردود اليومي لهم، وهذا ما ساهم في استفحال ظاهرة التعدي على المارة و حتى فيما بين المتسولين. أشكال متنوعة للتسول. رصدت الأستاذة نصيرة مراح، مختصة اجتماعية، عدة أشكال للمتسولين ولطرق التسول، فمنهم من يعاني من عاهات مرضية، ومنهم من يستجدي عطف النساء العازبات، ومنهم من يستخدم موازين لقياس وزن المارة. أما عن أسباب انتشار هذه الظاهرة فتحصرها الأستاذة مراح، في عدة أسباب أهمها الفقر والبطالة، إلى جانب ضعف الدخل وكبر حجم الأسرة، بالإضافة إلى غلاء المعيشة وأسعار الحاجيات. كما أن هناك من يتخذها مهنة يلجأ إليها رغم يسر حالته الاجتماعية والاقتصادية، لما تدره عليه من أموال دون تعب.. وتشير محدثتنا إلى أن ”ارتفاع عدد المتسولين في رمضان يأتي بالنظر إلى استغلال هؤلاء للبعد الروحي والتضامني لهذا الشهر، لذلك تراهم متمركزين أمام المساجد. وكانت وزارة التضامن الوطني والأسرة أشارت إلى وجود عجز في إحصاء الظاهرة، إلا أن الأرقام تشير إلى إحصاء نحو 11 ألفا و269 شخصا على مستوى 48 ولاية.