لا حرج في القول أن ما يسمى ”ثورات عربية” أو ”قدوم ربيع عربي” لا يعدو صراعا بين السلطة الموجودة من جهة وبين حركة الإخوان المسلمين من جهة ثانية. ومن نافلة القول أيضا، أن السلطة ليست ثورية وأن الإخوان المسلمين ليسوا بالقطع ثوريين ! ما أزرى بالناس في بلاد العرب إلى حد الذهول، هو أن الإخوان المسلمين يتلقون الدعم في حراكهم من ديكتاتورية ثلاثية، على حد تعبير سمير أمين، متمثلة بالولايات المتحدةالأمريكية وأمراء النفط الخليجيين وإسرائيل. واستنادا إليه فإن أوراق التين سقطت وبانت الوجوه الكالحة. لقد صار ملموسا أن الإخوان المسلمين لا يستطيعون القيام بأعباء السلطة في إطار الدولة الوطنية. رغم ذلك تراهم يصرون على أنها من حقهم شرعا. خصوصا حيثما تمكنوا في ظل ظروف وأحداث مريبة، من تنظيم عمليات انتخابية هزلية. هل الديمقراطية تبدأ بالانتخابات أم بصياغة ومناقشة برامج سياسية، بمعنى آخر هل الديمقراطية هي تبعية لأشخاص أم اختيار ممثلين !! إذن رغم استحالة قبول الناس بحكم الإخوان المسلمين، يواصل الأخيرون حراكهم، ليس بما هم حركة سياسية إلى جانب حركات وأحزاب أخرى ولكن بقصد مصادرة السلطة واحتكارها. من المعروف أنه يترتب على ذلك التخلي نهائيا عن مشروع التكامل والتضامن العروبي الذي حاولت الناصرية بذبذباتها وأخطائها، أن تضع الركائز لدعائمه. من البديهي أن الترجمة العملية لاستيلاء الإخوان المسلمين على السلطة هي تقويض الكيان الوطني في مصر وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، من النيل إلى الفرات. حيث ما يزال جزء من السكان الأصلانيين على نصرانيتهم. فضلا عن حتمية الاحتراب بين المذاهب الإسلامية، اعتمادا على أنه ليس من خصائص الإسلاميين بالمعنى السياسي والحركي لهذا التعبير، التسامح والتعايش السلمي مع الآخر، لا سيما أنهم يعتمدون في سعيهم على الوهابيين والقاعديين، الذين لا يتورعون عن ارتكاب الجرائم الشنيعة ضد الأفراد والجماعات. إن كلام الإسلاميين عن صناديق الاقتراع والديمقراطية ما هو إلا خداع ألفاظ. فلقد صادروا الدين وحرفوا النص وأسبغوا على سياستهم هالة من القدسية، ما ينطوي ضمنيا على أنه لا يجوز لهم التراجع أو التنازل، بل أن تطبيق هذه السياسة، بالإكراه أو بقطع الأعناق، هو من وجهة نظرهم ”فرض عين” كما يقولون. لقد آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها. إننا حيال وضع يمكن أن ينعت بالخطورة. الديكتاتورية الثلاثية التي أتينا على ذكرها أعلاه، قامت بتأويل الرسالة المحمدية وبتحريف النص الديني، بحيث تحول الدين بين يديها إلى سلاح لقتل الناس وهدم الأوطان. فلا خلاص للمسلمين الصادقين إلا بإنكار العلاقة بينهم من جهة وبين الإسلاميين من جهة ثانية، ورفض إقحام الدين في السياسة، والإعلان بأن الإيمان شأن فردي وليس قضية جمعية سياسية !