منذ ستين عاما وفي الأول من نوفمبر أطلقت الرصاصة الأولى التي مثلت انطلاقة الثورة الجزائرية ثم ألقيت الثورة في الشارع فتلقفتها الجماهير كما قال أحد القادة البارزين للثورة ، فكانت على موعد مع الشعب الجزائري والأمة العربية والعالم وتمددت الثورة وعظم شأنها وقاتل الرجال قتال الشجعان وسقطوا في الميادين حيث عبدوا طريق الشهادة ودوت أصواتهم وصيحاتهم عبر الآفاق فملأوا الدنيا وأسمعوا صوت الثورة للعالم أجمع ثم تم ترسيم الثورة في سجل الثورات على أنها من أنبل وأعظم الثورات، واستحقت لأن تتوج في سجلات المجد والخلود.. تلك هي ثورتنا وتلك هي صيحتنا وهذا هو تاريخنا تاريخ الفاتح من نوفمبر .. أما الحسابات التي أشرنا إليها فهي كشف بأهم التداعيات والإنجازات فالثورة جزائرية، ولكنها كانت ذات طابع عالمي فكونت علاقاتها الخارجية وجذبت إليها المناصرين والمشاركين وكان أن سعى لنجدتها كل الغيارى من العرب وغير العرب من المسلمين وغير المسلمين فلم تكن إذن في معزل عن العالم الخارجي ولم تكن متقوقعة على ذاتها وهي لو فعلت ذلك لكانت دفنت في مهدها وخرجت من سجل الثورات كونت فكرا وفلسفة وثقافة ورسمت عبر الأجيال طريقا للتقاليد والأعراف الثورية فكان لها الحلفاء والأصدقاء كما كان لها الأعداء والسائرين في ركاب الأعداء، والحساب اليوم ينظر بلهفة إلى ذلك التاريخ المجيد الذي نجد بين صفحاته ما يعبر عن المسيرة الثورية وفق ما ذكرناه من التقاليد والشعب الجزائري الوفي لحلفائه وأنصار ثورته ما زال يتذكر ولن ينسى وإن مرت العقود وتعددت الأجيال فكبار السن بيننا مازالوا يذكرون صوت العرب في القاهرة وعبد الناصر وبور سعيد ولكل من أركان هذا الثالوث ما يعنيه فحصار لناصر وحرب على مصر وقصف لبور سعيد انتقاما من مصر لما قدمته مصر للثورة ، وكذلك فالجزائريون ما زالوا يذكرون لليبيا وقفتها زمن الملك إدريس وكيف فتحت صحراءها وكامل حدودها أمام قوافل المساعدات العسكرية للثورة، ثم يذكرون كيف أن المدارس والجامعات الليبية شرعت أبوابها أمام الآلاف من الطلبة لاستكمال دراساتهم ثم يذكرون الزعيم عبد الكريم قاسم يوم قدم نصف ميزانية العراق للثورة الجزائرية، وهم لاشك يذكرون المواقف الشجاعة لسوريا وشوارعها التي كانت تغص بالمتظاهرين وجامعي التبرعات للثورة فالجماهير هي الجماهير مازالت وستبقى كما كانت، أما الحكام فهم الآخرون ما زالوا كما كانوا وسيبقون أما عبد الناصر والملك إدريس وعبد الكريم قاسم فقد نالوا جزاء ما صنعوه فكان تآمرا وقتلا وعزلا، وتلك هي السنة وتلك هي الحقيقة وعندما نعيد دراسة تاريخ هذه المرحلة ندرك تماما كيف أن الثورة الجزائرية لعبت دورها في تغيير خارطة العالم كل العالم وإن كان البعض منا لا يشعر بهذا الواقع ولكن التاريخ يعي ولا يرحم ويكتب ولا يمحو، وقد أكد على أن الثورة الجزائرية هي ثورة بكل المقاييس والمعايير وهي بالتالي مدرسة للثوار ومنارة يهتدي بها السائرون على طريق الحرية.