هل سيعير رئيس الجمهورية اهتماما لما يجري في ساحة المعارضة، ويأخذ اقتراحاتها بعدم الترشح لعهدة رابعة، وعدم إجراء تعديل للدستور في هذا الوقت الضيق والحرج في الحياة السياسية؟ فالمعارضة لم تلتئم بهذا الشكل وهذه القوة منذ بداية الأزمة الأمنية سنوات التسعينيات، ما يعني أن الوضع الذي تمر به البلاد الآن غير عادي، حتى لا أقول ينذر بالخطورة؟ قد تكون بعض الأحزاب التي وجهت نداءها للرئيس بعدم الترشح، لفتح المجال السياسي الذي يحاول البعض غلقه مبكرا، ولترك فرصة لجيل الشباب لإدارة البلاد، مجهرية وليست لديها قاعدة شعبية، لكن هناك بينها أيضا حزبا من التحالف الرئاسي سابقا، وهو حركة مجتمع السلم التي تحظى بقاعدة لا بأس بها، وهذا وحده كاف لكي يهتم رئيس الجمهورية لما يطرحه هؤلاء من أفكار من شأنها أن تعطي الحياة السياسية دفعا جديدا، والاستحقاقات المقبلة مصداقية، ولا يجب أن يبقى الرئيس حبيس خيارات جبهة التحرير وحدها، أو خيارات غول وبن يونس، وهي تحالفات ليس لها أدنى وزن على الساحة السياسية إذا ما علمنا التململ والانقسام الموجود في جبهة التحرير وموقف مناضليها من أمينها العام الحالي. أما التجمع الوطني الديمقراطي فلم يفصح عن موقفه بعد بشأن العهدة الرابعة، إلا في حالة أعلن الرئيس رسميا عن ترشحه. فالرئيس الذي باشر عهدته الرئاسية الأولى بمشروع وئام، ثم مصالحة وطنية، أكملت شرعيته الناقصة في أولى انتخابات رئاسية انسحب منها منافسوه، يدير ظهره للوئام والصلح في آخر سنوات حكمه، ويترك نفسه سجين دوائر مصالح وأشخاص يشكك الرأي العام في نزاهتهم وكثيرا ما ترتبط أسماؤهم بقضايا فساد. فهو إن فعل سيقضي على رصيده الوطني والثوري الذي ارتكز عليه لدى مجيئة إلى السلطة. فليس من مصلحة الرئيس أن يضع ماضيه التاريخي وشرعيته كرئيس في ساحة المزايدات السياسية، التي لا هدف منها إلا حماية ذوي المصالح ممن يرتبط بقاؤهم في السلطة ببقاء الرئيس. سبق ووعد بوتفليقة القوى العظمى بتنظيم انتخابات حقيقية، وأنه لن يترشح لعهدة رابعة، وهو حتى الساعة لم يعلن عن نيته في الترشح، لكن التطبيل والتهليل للعهدة الرابعة يأتي من محيطه القريب، الذي يبدو أنه يدفع بالرئيس إلى ما لا يريده هذا الأخير في هذه الظروف حيث يعرف الجميع مدى تردي حالته الصحية (شفاه الله). وإن الجميع يعي أنه في حالة ترشحه، فلن يكون قادرا على إدارة حملة انتخابية مضنية، ولا على الوفاء بوعود أخرى لناخبيه، خاصة وأنه حتى الآن ونحن على بعد أشهر من الرئاسيات لم ينجز كل ما جاء في برنامج العهدة الثالثة، ولم تعد ظروفه الصحية تمكنه حتى من القيام بواجباته كرئيس للجمهورية وأولها عقد مجلس للوزراء الذي صار يتأخر كثيرا عن موعده. ثم إنه لأول مرة تجتمع المعارضة وتتحد بهذا الشكل، ليس ضد الرئيس وإنما لتقديم نظرة بديلة وطرحا عقلانيا لتمرير الحكم بالطرق الشرعية والديمقراطية، خاصة في هذا الظرف الذي يعرف فيه العالم العربي سهولة حشد الشارع، وتعميم الفوضى، فالمعارضة الجزائرية تقول إنها ترفض خيار الشارع لأنه ليس من مصلحة أحد فتح الطريق لانزلاقات أمنية عانت منه الجزائر الكثير. الكرة الآن في مرمى الرئيس، وهو مجبر اليوم على الدفاع عن رصيده التاريخي والسياسي، والوضع لا يحتمل القمار؟!