يبدو أن إيران كتبت خاتمة جيدة وسعيدة لصراعها مع الغرب حول النووي بنفس الطريقة التي انتصرت بها سوريا حول سلاحها الكيماوي، فإيران التي عانت من حصار ومقاطعة طال أمدهما بحيث تكبدت بسبب ذلك خسائر لا يستهان بها، استطاعت أخيرا أن تخترق هذا الحصار وتلك المقاطعة بانتصار ما زالت خيوطه لم تتضح وما زالت أسراره لم تكشف، ولا ندري من الذي تعب الغرب أم إيران ومن الذي رجح كفة المفاوضات : روسيا والصين الحليفان القويان أم حنكة الرئيس الجديد الشيخ حسن روحاني ؟ الحق أننا لا نستطيع أن نعزل عنصرا من تلك العناصر عن بعضها لأنها تكاملت وصنعت النصر، والحلفاء عندما تكون الثقة بينهم متوفرة يصنعون المعجزات، وذلك بالضبط هو الحاصل مع إيران بالنسبة لحلفائها، فعلى مدى ما يزيد عن ثلاثين سنة وإيران لم تغير من سياستها وبقيت متمسكة بحقها في تخصيب اليورانيوم وبالنسبة التي تحتاجها لإدارة وتشغيل مشاريعها السلمية بالطاقة الذرية، وما زالت تؤكد بين الحين والآخر أنها لا ترغب بصناعة السلاح النووي وليس خوفا من الغرب بل لقناعتها بحرمة هذا السلاح من الناحية الشرعية، ويبدو أن الغرب الذي وصل أمام العناد الإيراني إلى طريق مسدود رأى أن يدخل هذه المرة في حوار جدي مع إيران والجدية تقتضي زرع الثقة بين الأطراف وهذا ما كانت تطالب به إيران حتى الساعات الأخيرة التي سبقت التوقيع على وثائق التفاهم، فإيران إذن لم تتنازل عن شيء هي راغبة به ولكنها استطاعت أن تقنع الغرب بدعم من حلفائها أنها ليست بحاجة للسلاح النووي وليست بصدد صناعته انطلاقا من قيمها ومبادئها الدينية، فاقتنع الغرب بذلك ونجحت إيران دون أن تقدم التنازل المطلوب أو المعجز، وقالت نحن لا نريد هذا السلاح أصلا لأننا نحرمه دينيا ونفس الشيئ صنعته سوريا عندما استطاعت أن تفتك من الغرب قرارا يحول دون ضربها عندما قالت بلسان رئيسها نحن لسنا بحاجة للسلاح الكيماوي إذا ما امتنعتم عن ضرب سوريا لأن الهدف حماية سوريا، وإذا ما امتنعتم عن ضربنا فهذا سلاحنا الكيماوي فخذوه، ومهما يكن ومهما كنا نختلف مع البعض حول هذا وذاك، فإن الذي تم التوصل إليه يعتبر نصرا مؤزرا لإيران فقد تم الإفراج عن مليارات الدولارات التي كانت مجمدة لدى الغرب واحتفظت إيران بحقها بتخصيب اليورانيوم وبكميات تجارية بحيث يمكنها أن تصدّر منه للدول التي هي بحاجة إليه، وفوق هذا وذاك فإن موجة من الإرتياح عمت العالم كل العالم بعد ما تم التوقيع بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد على الإتفاق الذي تم الإعلان عنه، وإذا كان هناك من يعلن أنه تضرر من ذلك فإن لإسرائيل عذرها في ذلك، أما الطرف الذيلي الآخر فلا قيمة لصراخه أولا وليس صحيحا بأنه المتضرر ثانيا، لأن إيران ليست عدوا للعرب إلا في خيال البعض ممن وقعوا تحت تأثير الدعاية الصهيونية، والأهم من كل هذا هو تلك التداعيات والانعكاسات التي ستظهر بعد حين وهي في جميع الأحوال سوف تكون جيدة على جميع المستويات والأصعدة في العالم كله وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا، وسيكون لها تداعيات على الأزمة السورية وربما على القضية الفلسطينية والأيام المقبلة كفيلة بتوضيح ذلك والكشف عن أسبابه.