المجلس الشعبي الوطني يشيد بالمؤشرات الإيجابية الواردة في خطاب رئيس الجمهورية أمام المتعاملين الاقتصاديين    اجتماع متعدد القطاعات لتنسيق جهود تأمين واستدامة إمدادات الوقود    فشل حكومي واحتقان اجتماعي: الغلاء ينهك الشعب المغربي وصمت المخزن يزيد من تفاقم الأزمة    كرة القدم/الرابطة الاولى موبيليس (تسوية رزنامة الجولة ال21) : فوز ثمين لأولمبيك أقبو أمام مولودية الجزائر 1-0    الجزائر تواجه غامبيا في ماي    رياح قوية مُرتقبة    احذرو الباراسيتامول ..    ديوان الحج يُطمئن    مجلس الأمة: لقاء عمل لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين الجزائر وروسيا    يوم العلم: مختصون يبرزون دور الحركة الإصلاحية في حماية الهوية الوطنية    صحة: دورة تكوينية متخصصة للالتحاق ببعض الرتب لأسلاك الممارسين الطبيين المفتشين    وهران: البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر اختصاص منازلات السبت المقبل    وزير الاتصال يشرف على لقاء جهوي للصحفيين والإعلاميين الخميس المقبل بوهران    الجزائر العاصمة : الوالي يقف على مشاريع إعادة تأهيل حديقة وادي السمار    جبهة البوليساريو تتصدى مجددا لحملة تشويه موجهة من قبل المغرب لمواصلة احتلاله اللاشرعي لأراضي الجمهورية الصحراوية    الجزائر/الصين: رغبة مشتركة من المتعاملين الاقتصاديين للارتقاء بالشراكة بين البلدين    الجزائر والصين توقعان 8 اتفاقيات لإطلاق مشاريع استثمارية في الصناعة والفلاحة    ملاكمة/المنتخبات الوطنية : تنصيب الطواقم الفنية لفئتي الأواسط و الوسطيات    بلمهدي يبرز دور الفتوى في تعزيز المرجعية الدينية والحفاظ على الهوية الوطنية    وزيرة العلاقات مع البرلمان تستقبل نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن للمجلس الفدرالي الروسي    وهران.. أيام إعلامية حول مدرسة أشبال الأمة "الشهيد حمداني"    المدارس الحرة: سلاح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وجه الاستعمار الفرنسي    تدشين معرض "التراث الجزائري من منظور بلجيكي" بالجزائر العاصمة تكريما للفنان البلجيكي ادوارد فيرشافيلت    مبارك : نجاح باهر لعملية فتح رأس مال بنك التنمية المحلية عبر البورصة الجزائرية    الجزائر تظفر عن جدارة واستحقاق بعضوية مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي    حوادث الطرقات: وفاة 49 شخصا وإصابة 1884 آخرين بجروح في ظرف أسبوع    إلى متى الصمت؟!    الحكومة المغربية تواجه انتقادات متزايدة    والي بجاية يُسدي تعليمات صارمة    السفير يطمئن على قندوسي    بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة    نحو استلام 290 مركزا للتخزين الوسيط للحبوب    هذه استراتيجية الجزائر لمواجهة الحرقة    إطلاق شبكة الجيل الخامس قبل نهاية 2025    السودان.. جرحٌ عربيٌ نازفٌ    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    رسائل ثقة للاقتصاديين ودعامة للاقتصاد الوطني    هيئتان للتصدير والاستيراد انفتاح على الخارج وحماية للسوق    لأول مرة.."باك مهني" سبتمبر المقبل    المجتمع المدني .. من ثورة التحرير إلى الجزائر المنتصرة    حسن الجوار.. علاقة تلاشت مع الزمن    تموين افتراضي حول مكافحة حرائق الغابات    مقترحات تنموية على طاولة والي بئر توتة    اتحاد ورقلة يهدد بالمقاطعة ومستقبل الرويسات يندد    وزارة الصحة تحذر من مخاطر التناول المفرط لأدوية مادة الباراسيتامول    "الطيّارة الصفراء" لهاجر سباطة يفتكّ الجائزة الكبرى    ندوة تاريخية في قصر رؤساء البحر : لاحياء يوم العلم الحركة الإصلاحية في الجزائر..مسيرة التحولات ومسار التحديات    أول تعليق من أحمد قندوسي على إصابته المروعة    ما هو العذاب الهون؟    مستشفى "المعمداني" تحت القصف الصهيوني مجدّدا    تأكيد أهمية تضامن الفاعلين الفرنسيين مع المناضلين الصحراويين    تكريم وجوه فنية بارزة    الدورة الثامنة من 26 إلى 30 ماي    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التألم الفرنسي الخجول تجاه سوريا وفلسطين
نشر في الفجر يوم 30 - 11 - 2013

كانت لفتة طيبة تلك التي صدرت عن “مدام فاليري تريرفايلر” صديقة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وتمثلت في أنها على هامش مشاركتها في مناسبة معرض الكتاب الفرنكفوني في بيروت (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013)، زارت أحد مخيمات اللاجئين السوريين إلى لبنان، واحتضنت، تدليلا على تأثرها بأحوال الأطفال في المخيم، طفلا لم يتجاوز السنة من العمر، ثم أردفت الاحتضان بالقول لوسائل الإعلام اللبنانية والفرنسية من صحف وفضائيات: “هؤلاء الأطفال سيصبحون جيلا ضائعا ما لم نتحرك الآن...”.
وما لم تلاحظه “مدام فاليري” في عشرات المخيمات الأخرى التي في مناطق شمال لبنان وبقاعه، لأنها لم تزرها، يؤلم أكثر، بل يبكي؛ كونه أسوأ مما رأته خلال الزيارة الرمزية للمخيم القريب من العاصمة اللبنانية؛ ففي هذه المخيمات تستوطن كل أنواع الأمراض في أجساد الصغار والكبار على حد سواء. وفي هذه المخيمات هنالك كثيرون على أهبة الموت جوعا أو بردا. ولولا مساعدات غذائية وطبية تأتي باستمرار من المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج ومن ميسورين في لبنان، أبرزهم الرئيس سعد الدين الحريري، لكانت هذه المخيمات، ذات المليون لاجئ سوري وفق تقديرات شبه رسمية، ستعزز يوميا كوارث إنسانية تتفتت لها القلوب.
واللافت للانتباه أن شرائح عريضة من أهل العمل الحزبي والسياسي في لبنان لا تتعامل مع هؤلاء اللاجئين التعامل الإنساني المطلوب، بل إن البعض ينظر إليهم على أنهم لا يستحقون الاهتمام والمساعدة كونهم سوريين ضد نظام الرئيس بشار، مع أن واقع الحال يشير إلى أن هؤلاء لجأوا إلى لبنان نتيجة القصف الذي تعرضت له بلداتهم فدُمِّرت بيوتهم وأحرقت حقول بعضهم، وأصابت في مقتل أو جرحت صغارا وكبارا ليسوا مع النظام وليسوا ضده، وإنما هم من أبناء وطن اختلت الموازين فيه، بحيث صار المواطن عدوا للنظام حتى يثبت العكس. وهؤلاء لولا القصف جوا وبرا لديارهم ما كانوا ليغادروا ويلجأوا، إذ من الذي يتطلع إلى ذل اللجوء حتى في حمى الناس الطيبين؟
ونحن عندما نتحدث عن الشرائح العريضة من أهل العمل الحزبي والسياسي التي لا تتعامل إنسانيا مع هذه الألوف من إخواننا اللاجئين السوريين، فإننا نعني على وجه التحديد أولئك الذين تربطهم علاقة تحالف مع نظام بشار الأسد وأبرزهم حزب الله و”حركة أمل” والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون. فهؤلاء لا يستضيفون في مناطقهم أفواجا من اللاجئين السوريين، كما أنهم لا يكلفون فرقا طبية تزور تلك المخيمات وتحمل إلى الأطفال والنساء وكبار السن الأدوية، بل إننا نلاحظ أن قوافل من المساعدات الغذائية تتجه بين الحين والآخر إلى هذه المخيمات، ولم نلاحظ أن حزب الله أرسل لمناسبة بدء فصل الشتاء واستباقا للبرد القارس مائة ألف بطانية إلى كل مخيم، وأن “حركة أمل” فعلت الشيء نفسه، كذلك التيار الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون.
إننا لم نلاحظ حدوث ذلك، وفي المقابل كان هنالك كلام من بعض هؤلاء، وبقية الحلفاء المتوسطي المكانة السياسية والحزبية حول أن لبنان لا يتحمل هذا العدد الهائل من اللاجئين، وأن هؤلاء يأخذون من طريق اللبناني الكهرباء والماء والاستقرار.
وإذا كان ذلك لم يحصل من هؤلاء حتى الآن، فإن الواجب ما زال مطلوبا منهم القيام به عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله”. وبالمثل القائل: “عند الشدائد تصيب كرام الناس يعرف معدن كبار القوم”. وهذه الألوف من اللاجئين إلى لبنان وديار عربية وإسلامية أخرى تستحق الرحمة مضاعفة لأنها مظلومة. ورغم شكلية الوقفة من صديقة الرئيس الفرنسي فإنها في الإفصاح عن الألم الذي شعرت به، وكذلك في بعض معانيها، تبدو وقفة تعاطف لطالما كان المرء يتمنى لو أن نساء أصحاب المقامات السياسية والاجتماعية في لبنان فعلت الشيء نفسه، إذ ربما بهذه الوقفة تتولد الوقفة المغيبة من هذا الزعيم وذاك الرئيس وذلك المرجع وأولئك الذين يفيضون في التصريحات التي لا تطعم طفلا سوريا لاجئا جائعا، ولا تشفي أوجاع أمهات أو شقيقات، كما لا تكفكف دموع الجدات والأجداد الذين باتوا من دون سقف يؤويهم.
وبالعودة إلى ما بدأناه فإن تقديرنا لما صدر عن “مدام فاليري” واستغرابنا لأن كبيرات القوم في لبنان لم يكنّ معها في زيارتها الرمزية التي قامت بها إلى المخيم السوري، كنا نتمنى لو أن السيدة الفرنسية دشنت تقليدا مستحبا، وهو أن تزور أيضا أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وبالذات “مخيم صبرا وشاتيلا” على طريق مطار بيروت. وهي لو فعلت ذلك لكانت ستتفهم حقيقة المحنة الفلسطينية وأي حياة يعيش جيل بعد جيل في هذه المخيمات. كما أنها لو فعلت ذلك فإنها ستجعل زوجة أي مسؤول أوروبي أو أجنبي عموما يزور لبنان أو الأردن تفعل الشيء نفسه، فلا تعود زيارة مخيمات البؤس هذه محرمة على هؤلاء الذين يكثرون من الجولات التي تستهدف إيجاد حل للموضوع الفلسطيني، وأحدثهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أطلق خلال زيارته الثانية التي يقوم بها إلى إسرائيل ومقر السلطة الوطنية الفلسطينية (الأولى عام 2005) في رام الله، دعوات بعضها لإرضاء نتنياهو، مثل قوله في خطاب أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) يوم الاثنين 18 نوفمبر 2013: “لقد صنع التاريخ بيننا رباطا قويا لا يتزعزع، وستظل فرنسا تكافح العداء للسامية بكل حزم...”. وبعضها الآخر لرفع معنويات فلسطينيي السلطة الوطنية ورئيسها محمود عباس، مثل قوله في مؤتمر صحافي مشترك معه في اليوم نفسه (وبعدما كان وضع إكليلا من الورد على قبر الرئيس ياسر عرفات الذي ثمة تسليم مختبري دولي لا يرقى إليه الشك بأنه قضى مسمما) إنه يتعهد بتقديم الدعم إلى فلسطين، وإنه بالنسبة إلى موضوع العودة يرى “التحلي بالواقعية ويجب دائما تقديم المبادرات”. والواقعية التي يراها هولاند من أجل تحقيق صيغة “القدس عاصمة لدولتين” هي أن تؤجل السلطة الوطنية موضوع حق العودة ويوقف نتنياهو عمليات الاستيطان.. وهذا يحقق لحكومة نتنياهو ما يراهن عليه وهو “معاهدة سلام” بين إسرائيل الوطن اليهودي وفلسطين المنزوعة الحق التاريخي، وإن كان الرئيس الفرنسي، ومن قبله آخرون بينهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يحاولون بإغراءات مالية وتنموية انتزاع ورقة حق العودة من كتاب الموقف الفلسطيني، وبذلك يطمئن نتنياهو الذي يرغي ويزبد ويتطاول حتى على الولايات المتحدة التي تحمي الكيان المغتصب، آملا من وراء ذلك ما قاله في حضور الرئيس الفرنسي موجها الكلام إلى الرئيس عباس: “تعال إلى الكنيست (كما فعل السادات) وسآتي أنا إلى رام الله. اصعد على هذه المنصة واعترف بالحقيقة التاريخية؛ فلدى اليهود أربعة آلاف عام مع أرض إسرائيل...”. ويا ليت الرئيس الفرنسي بادر إلى القول للجانب الإسرائيلي: “الفرصة الأهم للمجتمع تتمثل في مبادرة السلام العربية، وصار لزاما عليكم وعلى المجتمع الدولي، ونحن منه، القبول بها مهما طال التريث”.
خلاصة القول أننا نتأمل عميقا في هذا التألم الفرنسي الخجول يأتي من شريكين في قمة السلطة إزاء سوريا اللجوء وفلسطين الصابرة على الضيم والعدوان وذل الشتات، ونرى فيه نوعا من أنواع الأمثولات المستحبة التي توجب على بعض اللاعبين على ساحة المنطقة العربية التأمل فيها، وبذلك تستعاد المشاعر الإنسانية إلى النفوس.. ولا يعود اللاعبون متلاعبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.