قال الوزير الأول عبد المالك سلال، من باريس، إن الجزائر ليست ملاذا للجنرالات والشرطة، فهل يعني هذا أن البلاد خرجت من عقدة حكم العسكر، وتحرر قرارها، لأن تصريحات سلال هذه تصب في نفس التصريحات التي خرج بها علينا منذ فترة الأمين العام للأفالان، عمار سعداني، قبل أن يلقي حجرا ويذهب في رحلة طويلة إلى باريس، حتى ينسى الناس ترددات صوته المزعجة. لكن الوزير الأول لم يقل لنا لمن هي ملاذ إذن؟ نحن نعرف، ويعرف أحرار العالم كله أن بلادنا كانت سنوات الستينيات والسبعينيات مكة الثوار، زارها مانديلا، وتشي غيفارا، ولومومبا وغيرهم من الأسماء الثقيلة التي صنعت تاريخ بلدانها. كما كانت الجزائر قبلة للعلماء، يأتون تباعا لينشروا العلم في مدارسنا وجامعاتنا، قبل أن تتحول الجامعات إلى مفرغات عمومية، وأماكن للتشرد والضياع... ملاذ لمن سيدي الوزير؟ إذا كانت نخبتنا الوطنية شردت، فكل من نجا من الإرهاب حمل حقائبه وسافر إلى غير رجعة، واليوم لا يخلو مركز من مراكز البحث العلمي في أوروبا وأمريكا من عقول جزائرية، بينما تفتقر جامعاتنا لأدنى الإمكانيات. وقد خسرنا كل ما استثمرناه في التعليم بكل أطواره لفائدة فرنسا وأمريكا وكندا وبريطانيا وغيرها من الدول التي استفادت من العقول الجزائرية. أربعون في المائة من المستشفيات الفرنسية يسيّرها جزائريون، ومثلها في وسائل الإعلام، والبحث في المجالات التقنية والرياضية، بينما تعاني مستشفياتنا من قلة التأطير والإمكانيات وصارت ملجأً للموت، بعد أن كانت رمزاً في المغرب العربي. ملاذ لمن بلادنا اليوم غير الإرهاب والجماعات المتطرفة، وللصوص والمتسلقين الذين استغلوا غياب الإرادة السياسية، ليحولوا البلاد إلى قطب في الفساد وفي تجارة المخدرات والتهريب، بعد أن كانت تسير في سنوات استقلالها الأولى على طريق البناء، فكانت الشركات الوطنية العملاقة التي بدأت تؤسس لصناعة وطنية، ثم سرعان ما تآمر عليها المتآمرون لتضرب في الصميم، وتتحول بعد ذلك إلى مفرغة لكل فضلات مصانع أوروبا وأمريكا. منذ أيام مررت قرب شركة الخشب والفلين بعنابة، هذه الشركة التي كان شقيقي الأكبر إطارا بها، وربطتني بها علاقة عاطفية، تألمت كثيرا وأنا أرى جدرانها منهارة ولم يعد للحياة والأمل مكان بها. هذه الشركة التي كانت مفخرة للصناعة الوطنية ومصدر رزق لآلاف العائلات، تحولت اليوم إلى مفرغة عمومية، ويا ليت المستوردين الذين تآمروا عليها استوردوا سلعا ذات جودة، فمنذ سنوات وأنا أبحث عن طاولات وكراس بالمواصفات التي كانت تتوفر في منتوجاتنا الوطنية ولم أجدها، وكذلك الأمر بالنسبة للسلع الأخرى. نعم سيدي الوزير الأول، نحن ملاذ للإرهاب والتهريب والمخدرات، واستيراد السيارات بكل أنواعها. وقريبا سنصبح مفرغة كبيرة لإطارات السيارات المهترئة، لكننا لن نكون ملاذا للثوار ولا للعلماء ولا لرجال الفكر والسياسة مثلما كنا سابقا، إلا إذا ما تبنت البلاد نظرة سياسية جديدة وأعطت للعلم وللجامعة والمدرسة مكانتها!؟