ها قد عاد الخليفة. لقد عاد الابن الضال بعد رحلة هروب من العدالة الجزائرية استمرت أكثر من عشر سنوات. العودة التي ستفتح حتما شهية الإعلام الوطني والدولي، لأن الجميع ينتظر نشر غسيل السلطة الجزائرية من خلال هذه القضية الشائكة، لأن المحاكمة الأولى التي جرت بمحكمة البليدة سنتي 2007 و2008 في غياب عبد المومن لم تكشف عن كل التفاصيل، حتى أن الأسماء التي علقت في أسنان مشط العدالة وقتها كلها أسماء ضعيفة، بينما نجت الأسماء الكبيرة من القضية من المحاكمة وإن ذكرت فإنها ذكرت كشهود مثل الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين. لكن لماذا الآن؟ خاصة وأن استلامه تزامن مع استلام لص آخر اسمه إبراهيم حجاس صاحب عصابة لصوص اسمها بنك “بي أر سي”، فهل كل هذا جاء صدفة، أم خطط له بليل؟ فقد تعودنا من خلال الصراعات السياسية الصماء في البلاد أن لا شيء يحدث هكذا، لا قرار يتخذ لوجه الله، فهل عودة الخليفة مرهونة بالرئاسيات المقبلة؟ هل سيكون ورقة حرب بين دوائر القرار، أم أنه لقمة ألقوا بها لنمضغها وننسى قضايا أخرى مثل قضية سوناطراك وشكيب خليل؟ الخليفة القطار الذي يخفي قطارا آخر، مثلما تعلمنا في قانون المرور، الخليفة نردد اسمه في المقاهي وفي قاعات التحرير وفي المواقع الإخبارية وننسى اسم شكيب خليل والأسماء الأخرى التي أغرقت مرحلة حكم الرئيس بوتفليقة في الفساد. مهما كانت الحقيقة الكامنة وراء استلام الخليفة الذي أكل الجميع في كفه، وأقصد بالجميع هنا كل من مروا في دواليب السلطة، فاسمه اقترن بهذه المرحلة من حكم الجزائر، ومهما كانت درجة المسؤوليات، فالجميع مسؤول عن السرقات الموصوفة التي نهب بها هذا الصبي الجزائريين، من أول إلى آخر شخص في سلم المسؤوليات، وعلى المحاكمة لكي تكون عادلة أن توضح درجة تورط كل فرد، وأن يجيب كل واحد على الجرم المنسوب إليه. لكن التساؤل الأهم من كل هذا هو الذي يطرحه ضحايا بنك الخليفة، وهم يطالعون الأخبار التي تتحدث عن استلامه، كيف سيستعيد هؤلاء أموالهم المنهوبة، فإقامة العدل أولا هي تعويض الضحايا الذين وثقوا في بنك معتمد قانونيا من طرف البنك المركزي، أي أنهم وثقوا في مؤسسات البلاد وقوانينها، فوجدوا أنفسهم ضحية عصابة بحجم بلاد، عصابة رسمية بوثائق رسمية وبمباركة رجال الدولة؟ لن يهم ضحايا بنك الخليفة أن يسجن هذا في لندن أو في سركاجي أو البليدة، أو في “ألكاتراز” الشهير، ما يهمهم هو كيف تعاد إليهم أموالهم، لأنه سواء عندهم سجن الخليفة أو نفذ في حقه الإعدام، لن يعوضهم خسائرهم التي هي شقاء العمر للكثيرين منهم، وهو ما لا تعوضه مئات السنين سجنا التي يحكم بها على الخليفة. فقبل أن نسلم الخليفة إلى العدالة، أين هي أولا أموال مئات الآلاف من ضحاياه؟ هل تبخرت؟ وبعدها ليفعلوا به ما يحلو لهم؟ مهما تكن الحقيقة الكامنة وراء جلب الخليفة أو حجاس، فلن ينسى الناس أن هناك لصا رسميا آخر اسمه شكيب خليل، ولن يكون ملف الخليفة بالاتساع الذي سيحجب الشمس، ويغطي على ما تعرضت له البلاد من نهب ودمار خلال السنوات الأخيرة، وما خفي كان أعظم. لكن هذا الانتصار للعدالة الجزائرية التي افتكت الخليفة من القضاء البريطاني دليل على أن السلطة ليست عاجزة عن فرض كلمتها إذا ما توفرت الإرادة، وأنها قادرة على جلب اللصوص والفارين من القانون مهما كانت جرائمهم، ما يعني أيضا أن شكيب خليل ليس في مأمن من أسنان مشط العدالة، وسيجلب يوما ما مثل الخليفة على متن طائرة ويحاكم، إذا ما توفرت الإرادة، فلشكيب هو الآخر أوراق يساوم بها، أوراق قابلة أيضا للحرق مثلما أحرقت أوراق المساومات بالخليفة؟ ويبقى أهم سؤال على الإطلاق من قرر إدخال الخليفة الآن؟ لأن وزير العدل وهو يزور تيبازة أول أمس، قال إن الجزائر ستستلم الخليفة الجمعة المقبل، ولم يكن يدري أنه ساعتها كان “يشحن” على متن طائرة للخطوط الجوية الجزائرية من مطار هيثرو بلندن؟؟